لما خرج عثمان بك البرديسي وكافة الأمراء من القاهرة ، دعا المرحوم محمد | علي باشا أعيان البلد وعلماءها وقال لهم أنه لا يليق بقاء مصر بدون وال | يواليها ولا سائس يسوسها ولا راع يراعيها ، وأن الأولى إخراج خسرو باشا من | سجنه بالقلعة وجعله واليا فأقر المجلس على ذلك وأخرج الباشا من السجن . | لكن بعد يوم ونصف ثار عليه رؤساء الأرنؤد وطلبوا من محمد علي إخراجه من | مصر وطرده منها فأذعن لطلبهم وأرسله تحت الحفظ إلى رشيد ومنها إلى | إسلامبول ، ثم طلب محمد علي من الأرنؤد أن يعين أحمد باشا خورشيد واليا | على مصر فرضي الكل بذلك بشرط تولية محمد علي قائم مقام له وبذلك | انحسم النزاع وحرر بذلك محضر وأرسل للباب العالي للتصديق عليه فصدق | على ما حصل وأرسل بذلك فرمانا مع مخصوص من طرفه فقام خورشيد باشا | من الإسكندرية وانتقل إلى القاهرة وحصل بعد ذلك وقائع لها وقع بين الجند | والمماليك الذين كانت سلطتهم مبسوطة على الصعيد إلى الجيزة . وبينما محمد | | على مشتعل بمحاربتهم استحضر خورشيد باشا طائفة من الدلاة ليجعلهم | حرسا لنفسه وذلك لتوجسه خيفة من محمد علي وجنوده الأرنؤد وعدم ثقته | بهم ، لا سيما وكان الأهالي يميلون كل الميل إلى محمد علي لإستعماله اللطف | واللين معهم خصوصا مع العلماء والأعيان .
فلما علم محمد علي بحضور هؤلاء الدلاة عاد بسرعة إلى القاهرة واشتغل بمقابلة علمائها وصار يشنع لهم على الدلاة وما ارتكبوه وكانوا قد انتشروا في | البلد كالجراد ينهبون وفي العالم يقتلون وفي النساء يهتكون ويأخذون أموال | الناس ظلما وبهتانا وصار محمد علي يحرض الناس على رفع شكواهم إلى الوالي | فاتبعوه وتظلموا لخورشيد باشا ، فكان يعدهم بالنظر بالنظر في شكواهم والتأمل في | بلواهم ولا يمكنه الوفاء بوعده مراعاة للجند حتى مل الأهالي من إزدياد الجور | والتعدي وانتشر الهياج في كافة أنحاء البلد وخاف كل فريق من الآخر .
صفحه ۳۸