قرأت تحبيذك لكتاب شقيقتي (باحثة البادية) ودعوتك إياها أن تثابر على الكتابة في موضوعها «النسائيات»، وإني أنوب عنها في الشكر لك على ما جاء في مقالك من حسن الفكرة وقوة التعبير والخيال، وأعتذر لعدم قدرتها على الكتابة الآن. ذلك لأنها في فراش المرض منذ ثلاثة أشهر. وإنها لم تنس قط الاهتمام بما يرقي المرأة الشرقية على العموم والمصرية على الخصوص، وإن كان ذلك الإصلاح على ما فينا من عيوب داعيا للقنوط أحيانا. ولعل الله يشفيها في القريب العاجل لتقوم بما خصصت نفسها له، هذا وتفضلي بقبول شكري واحترامي.
حنيفة حفني ناصف
إلى الآنسة مي
تفضلت فكتبت إلي كلمتك العذبة في الجريدة، وكنت إذ ذاك بين مخالب الموت، فلم يكن في وسعي أن أمسك القلم لأرد عليك وإن كانت مخيلتي لم تبخل بالرد. كانت رسالتك عزاء جميلا لي في مرضي الطويل المؤلم، وبلسما ملطفا لجراحي البالغة التي قلت أنك عثرت عليها. آلامي أيتها السيدة شديدة، ولكني أنقلها بتؤدة كأني أجر أحمال الحديد، فهل تدرين يا سيدتي ما هو لي. ليس لي بحمد الله ميت قريب أبكيه، ولا عزيز غائب أرتجيه ولا أنا ممن تأسرهم زخارف هذه الحياة الدنيا ويستولي عليهم غرورها فأطمع في أكثر مما أنا فيه، وليس لي حال سيء أشتكيه، ولكن لي قلبا يكاد يذوب عطفا وإشفاقا على من يستحق الرحمة ومن لا يستحقها، وهذا علة شقائي ومبعث آلامي. إن قلبي يتصدع من أحوال هذا المجتمع الفاسد.
وما لي أحمل نفسي أعباء غيرها وليست بمسيطرة على هذا العالم! ولكني كنت عاهدت نفسي على الأخذ بيد المرأة المصرية، ويعز علي أن أتخلى عن هذا العهد وإن كان تنفيذه شاقا ومحفوفا بالصعوبات ويكاد اليأس يسد طريقي إليه .
كنت اعتزلت الكتابة؛ لا لنضوب مادتها عندي، ولا اكتفاء بالقليل الذي كتبت من قبل، ولكني كنت مللت المناداة بإصلاح المرأة المصرية، وثبط عزمي ما أراه من انصراف فئة المتعلمين والمتعلمات الجدد عن العمل لتكوين القومية المصرية المطلوبة، وما حركتهم التي ملئوا بها القطر صراخا إلا عنوان نهضة كاذبة.
تسألينني يا سيدتي أن أدلك وسط هذه الأحوال المتضاربة والآراء المتشعبة عن الطريق الذي يحسن بالفتاة نهجه، وإنها لحال توجب الحيرة ولا ندري أي الطرق نسلك لنصل سريعا إلى الغاية التي نقصد إليها. كلنا يرمي إلى تقدم الفتاة وتنورها وإعدادها لأن تكون زوجة صالحة وأما نافعة أبناءها ووطنها، ولكن لكل مناد بالإصلاح وجهة هو موليها. فبعضهم لا يرى لهذا التأخر والجهل من سبب إلا كان راجعا للحجاب، وهؤلاء قرروا وجوب سفور المرأة المصرية حالا ونسوا حكمة التأني والتحفظ عند إرادة الانتقال من طور مظلم مألوف إلى طور لم يعهد من قبل تكتنفه المدهشات واللوامع البراقة الجذابة التي تكاد تغشي الأبصار.
وفريق لا يرى للسفور فائدة ويقول: إن الحجاب لا ينفي العلم، وإن إطلاق الحرية للمرأة أخيرا كان سببا لفسادها، وإن اطراد تعليم المرأة وتثقيفها سيكون مجلبة للشغب ولخروجها عن حدود وظيفتها في المستقبل كما خرجت أختها الغربية الآن. فأي الطريقين نسلك ومن نتبع؟ إننا معشر النساء لا يزال ظلم الرجل يرهقنا واستبداده يأمر وينهى فينا، حتى أصبحنا ولا رأي لنا في أنفسنا. فإذا قال لنا اختبئن حتى تدفن بالحياة صونا لكن وتدليلا كما يقول المتنبي في رثاء أخت سيف الدولة:
على المدفون قبل الترب صونا
وكقوله في أخت ممدوحه الثانية من رثاء أيضا:
صفحه نامشخص