نحن لا نكتب طمعا في أن ننال تصفيق الجهال وعامة الناس ... وإنما نكتب لأهل العلم، وعلى الخصوص للناشئة الحديثة التي هي مستودع أمانينا في المستقبل؛ فهي بما اكتسبته من التربية العلمية الصحيحة يمكنها أن تحل مسألة المرأة المكان الذي تستحقه من العناية والبحث.
2
قاسم أمين
حبذا لو تصفح هذا الكتاب النفيس (تحرير المرأة) كل من يغار على وطنه وأمته وساعد مؤلفه في بث آرائه بين الجمهور.
3
المقتطف
للحياة في أبنائها مآرب: تعطي بعضهم نفسا يكهربها الفكر والعاطفة، وتلقي في أعماقها وديعة النبوغ فيصير بها صاحبها كأنما هو النقطة المركزية التي تتصل بها أسلاك جميع الشعورات والخبرات والفكرات والأعمال. ما طغى ظالم في الأرض إلا اهتزت منه الجوانح حمية وحنقا. ولا استبدت جماعة بجماعة أو جنس بجنس إلا انطلق صوته يدمدم كالعواصف لأنه صوت انفجرت فيه أصوات من يتوجعون ولا يدرون كيف يتظلمون. ولا ضربت العلل الاجتماعية في بيئة عثوا إلا وحمل مشراط الجراح ولفائف المؤاسي وقام يبضع يوما ويضمد يوما. تنزل به وبجاره نكبة واحدة في آن واحد فيئن الجار كفرد بشري، ويصرخ هو وفي صراخه عويل جميع الذين قضوا وكانوا قبل الموت فريسة اليأس والهوان. وقد تكثر المحن على هذا «السعيد التعس»؛ لأنه كما أن البلسم الشافي لا تجود به الشجرة العطرية إلا بعد أن تقشر ثوبها ويتجرح صدرها فتجول حول كلومها اليد الشديدة متلمسة السائل الزكي، كذلك لا تخرج المناداة بالإصلاح القومي والتقويم العمراني إلا من أعماق نفس شققتها نصال الرزايا وجالت يد الألم تجس فيها آثار الجراح بلا شفقة.
تشيخ الأمهات مناولات بناتهن قبس الحياة المنير، ويظل الهاتف العتيد يتنقل محجوبا بين الأجنحة والمواليد من أهل الدار ونزيلها، والخمول الدهري مخيم على الجماعة إلى أن يجيء وقت اليقظة؛ إذ ذاك يبرز هاتفا في الناس فيجفلون. فيلقاه بعضهم ساخطا محتقرا، وغيرهم ناقدا متعنتا، ويصغي آخرون بمسامع النفس والرغبة، وبدهشة الحب والإعجاب، وسواء صمت آذانهم جميعا أم كانوا من المنصتين فإن صدى الصوت يظل مترددا حول الأفكار والعادات حتى يندمج فيها، فلا يلبث أن يصير الرأي واقعا والاقتراح إصلاحا. لماذا يجيء هذا الصوت الفعال من أفراد دون أفراد - مع أن الهاتفين كثير - وفي زمن دون آخر؟ ذلك سر من أسرار الحياة. وللحياة في الأمكنة والأزمنة والأفراد مآرب.
لم يكن قاسم أمين مصري الأصل وإن كان مصري المنبت والبيئة، وتام التمصر وطنية وإخلاصا. لكن الحياة اختارته ليقول ما لم يقله أحد في مصر الحديثة قبله ، وليترك في النشء أثرا جليلا لم يكن لغيره. لقد قرأت كتبه بعد «نسائيات» الباحثة في عام واحد (1914) فبدهي أن يمتزج ذكراهما في نفسي، حتى إني لا أفكر في الواحد إلا تناسق اسم الآخر ومذهبه في خاطري. وإني لأحسب من واجب الإقرار بالجميل أن أكرس له سطورا في ختام هذا البحث؛ لأنه عمل لغاية سعت إليها الباحثة بعده، وإن كان عمل كل منهما مدفوعا بفطرته الخاصة، سائرا نحو الكعبة المشتركة في طريقين يتحاذيان ويتباعدان على طول المسافة. لقد نفت الكاتبة عن نفسها اتباع مذهب قاسم، والتشيع له، بقولها في ردها على قصيدة شوقي بك:
فعلام أكثرت الملا
صفحه نامشخص