5
وبعد فراغها من وخز المرأة التفتت إلى «الآخر»: إلى الرجل، ونضدت منه المساوئ المرعبة جاعلة الطمع في رأس القائمة، ثم الاستبداد بمال المرأة بعد الحصول عليه، فقالت:
بعض النساء يهددن بالفراق إذا لم يعطين أزواجهن ما يطلبون ويذكر لهن الزواج إرهابا، فأي الأمرين تختار المرأة البائسة؟ المرأة مظلومة دائما؛ إذا كانت فقيرة لا يرغب فيها، وإن كانت وارثة يطمع في مالها. والوارثة مظلومة أيضا؛ فإما ألا تتزوج لتأمن الطمع والطماعين، وإما أن تتزوج على غير بصيرة كعادتنا.
ما أكثر مساوئ هذا «الآخر» المخيف عدا! وليس الظلم أقلها؛ تتبعه الأنانية وعدم مؤاساة المرأة في حزنها، والزواج من غيرها، والازدراء بها، والتكبر عليها، والضغط على جميع أنواع حريتها، وكتم أسراره عنها كأنما هي شيء لا قدر له ولا قيمة ... عديدة، مديدة ذنوبك، يا إسرائيل! وأما ما تغتاظ منه الباحثة بوجه خاص فهو عدم امتزاجه بذويه وإفادتهم من معرفته وعلمه، فهي تحتمل الجهل من الغبي الصريح ولكنه يحزنها جهل امرأة العالم وابنته وأخته. وتنسب ذلك إلى الخشونة التي يضيع بها الرجل تأثيره الحسن في أسرته. قالت ساخطة:
لا أحب الأب يتكبر على أهله وأولاده فيظهر لهم بمظهر الجبار العنيف ويظن أن ذلك استجلاب للهيبة وهو لا يعلم بما يشعرون. «وهذا التجبر من جانب الأب يضعف الأخلاق في الطفل ويفسدها إذ يربي فيه الجبن والذل ثم الاستبداد متى كبر.»
6
كانت من أنصار السفور مبدئيا. ومن رأيها أن كل ما تحتاج إليه المرأة ولا تجده بين النساء كالطبيب البارع والأستاذ الماهر ... إلخ، يجوز أن تستعين به الرجل، وجاهرت بأنها لو كانت واثقة من كمال المرأة وتهذيب الرجل لما ترددت في إباحة السفور للجميع - كما أنها تبيحه للراقية من النساء. وقد أبدت فكرها في ردها على خطبة ألقاها زعيم السفوريين عبد الحميد أفندي حمدي في نادي حزب الأمة. قالت:
لا، نساء مصر متعودات الحجاب الآن، فلو أمرتهن مرة واحدة بخلعه وترك البرقع لرأيت ما يجلبنه على أنفسهن من الخزي وما يقعن فيه بحكم الطبيعة والتغير الفجائي من أسباب البلاء، وتكون النتيجة شرا على الوطن والدين (لا أفهم كيف يكون السفور أو أي شيء آخر شرا على «الدين»؟! مي.) وإذا أردت هدم بناء أفلا تهدمه قليلا قليلا إلى أن يتم الهدم فتبنى على أنقاضه أحسن منه. «ثم أفدني أيها القارئ بالله، ماذا تقول امرأة جاهلة أو متعلمة تعليما ناقصا لشاب تجتمع به؟! أتباحثه في العلوم وهي لا تدرك أهميتها أو تعلم منها قشورا لا يعتد بها. أم تناضله في السياسة وهي لا تعلم أين إنجلترا من جزائر الأرخبيل، ولا يمكنها أن تفسر لفظة دستور أو استعمار مثلا. أم ماذا تفعل؟! اللهم إنها لا تجد شيئا تقوله له إلا ما قد تستحسنه من هيئته وحسن بزته، وهناك الضلال الكبير. رأيي أن الوقت لم يأت لرفع الحجاب، فعلموا المرأة تعليما حقا وربوها تربية صحيحة، وهذبوا النشء، وأصلحوا أخلاقكم بحيث يصير مجموع الأمة مهذبا، ثم اتركوا لها شأنها تختار ما يوافق مصلحتها ومصلحة الأمة.»
7
من الناس من لا ينتقد إلا بمرارة وبقصد الإيذاء والإيلام والإنقاص من قيمة المنتقد عليه. أما كاتبتنا فتنتقد بسردها الحكاية كمن يصف لك حالا من الأحوال دون تعمد الانتقاد، والمرارة تنقلب تحت قلمها ظرفا، فتبتسم حينا، وتبكي أحيانا. وتخال قطرات الدم سائلات من يراعها ساعة تذكر شيئا يوجعها في أعز عواطفها ويلمس من نفسها أرق الأوتار حسا، كموضوع تعدد الزوجات مثلا الذي ترى فيه الظلم البحت والاستبداد الأقصى ولا تبرره إلا إذا تعذر عيش الرجل هنيئا مع زوجته الأولى. هاك صورة الضرتين:
صفحه نامشخص