أنشأ جعفر بن يحيى البرمكي قصرا عظيما على دجلة في الجانب الشرقي، وكان من الضخامة بحيث زعم بعض الرواة أنه أنفق عليه زهاء عشرين مليون درهم، وهذا الرقم أيضا لا يخلو من مبالغات الأعاجم. وكان هذا القصر واقعا تحت محلة المخرم، وكان يعرف في أول عهده بالقصر الجعفري، ثم أهداه صاحبه للمأمون، فصار يعرف بالقصر المأموني، ولكنه بقي تحت تصرف جعفر بن يحيى إلى حين مقتله، وحينئذ تصرف المأمون فيه تصرفا فعليا، وكان من أعز القصور عليه؛ لما كان يشتمل من وسائل البهجة ومعالم السرور؛ ولذلك أضاف إليه ما يزيد في معالم بهجته. من ذلك ميدان واسع للعب الكرة والصولجان، كما أضاف إليه حير الوحوش، وهو موضع يشبه ما نسميه اليوم بحديقة الحيوانات، ومد إليه فرعا من النهر المعروف بالمعلى، ثم أهداه المأمون للحسن بن سهل على أثر زواجه من بوران ابنته، فسمي القصر الحسني، فزاد فيه الحسن زيادات مهمة، ثم أهداه إلى ابنته بوران زوج المأمون، ثم انتقل هذا القصر إلى حوزة الخلفاء في خلافة المعتمد على الله أو المعتضد بالله، فوسعه وأضاف إليه المباني التي أنشأها على الميدان الذي كان منذ عهد المأمون، وعمل على مجموع مبانيه سورا، واستحدث ميدانا جديدا من الشرق، فهدم الدور المجاورة بعد أن اشتراها من أهلها لتوسيع ذلك الميدان.
قصر الفردوس:
شيده المعتضد إلى جوار القصر الحسني، وقد غلب اسم هذا القصر على مجموعة القصور التي أنشأها الخلفاء حول القصر الحسني وهي كثيرة، منها:
قصر الثريا:
وهو من بناء المعتضد أيضا على بعد نحو الميلين من القصر الحسني، وقد وصل الخليفة بينهما بطريق معقودة تحت الأرض. وذكر المسعودي أن نفقة قصر الثريا بلغت 400 ألف دينار، وأن مساحته المربعة بلغت ثلاثة فراسخ.
قصر التاج:
وهو قصر وضع أساسه المعتضد أيضا، وأتمه ابنه المكتفي من بعده، وهو على دجلة تحت القصر الحسني، وأقيمت عند أساساته مسناة عظيمة؛ لتصد عنها تيار دجلة. وأنشأ المكتفي وراءه من القباب والمجالس ما تناهى في توسعته وتعليته. وذكر المسعودي أن إصطبلات هذا القصر كانت تشتمل على تسعة آلاف من الخيل والبغال والجمال.
وقد تبارى الخلفاء والأمراء في إنشاء القصور وبالغوا في توسيعها وتأنقوا في زخرفتها حتى استبد مجموعها بنحو ثلث الرقعة التي قام عليها الجانب الشرقي من بغداد. ولو حاول مؤرخ أن يستقصي القصور التي أقامها الخلفاء والأمراء وكبراء رجال الدولة وذوو اليسار من البغداديين لاحتاج في وصف ذلك إلى أكثر من مجلد.
وحسب القارئ أن ننقل له الحكاية التالية؛ ليتبين له مبلغ ما وصلت إليه تلك القصور من السعة، وما اشتملت عليه من عجائب؛ ذكر الخطيب البغدادي وغيره نقلا عن شاهد عيان ما ملخصه: إنه ورد رسول لصاحب الروم في أيام المقتدر بالله، ففرشت قصور الخلافة بالفرش الجميلة، وزينت بالآلات الجليلة، ورتب الحجاب وخلفاؤهم والحواشي على طبقاتهم على أبوابها ودهاليزها وممراتها، وكان في قصر الخليفة إذ ذاك سبعة آلاف خادم، منهم أربعة آلاف من البيض، وثلاثة آلاف من السود، وعدد الحجاب سبعمائة، وعدد الغلمان السودان غير الخدم أربعة آلاف غلام. ووقف الجند صفين بالثياب الحسنة، وتحتهم الدواب بمراكب الذهب والفضة، وبين أيديهم الجنائب على مثل هذه الصورة، وقد أظهروا العدد الكثير من الأسلحة المختلفة، وكان عددهم مائة وستين ألف فارس، اصطفوا من أعلى باب الشماسية إلى قريب من قصر الخلافة. وبعدهم الغلمان الحجرية والخدم الخواص الدارية والبرانية إلى حضرة الخليفة ، بالبزة الرائعة والسيوف والمناطق المحلاة، وأسواق الجانب الشرقي وشوارعه وسطوحه ومسالكه مملوءة بالعامة النظارة ، وقد استؤجر كل دكان وغرفة مشرفة بمبالغ كثيرة، وفي دجلة عبئت ضروب السفن المزينة بأفضل زينة مرتبة على أحسن ترتيب، وسار الرسول ومن معه من المواكب إلى أن وصلوا إلى الدار، ودخل الرسول فمر به على دار نصر الحاجب، ورأى ضففا
1
صفحه نامشخص