مض عني كأنكم في رقاد؟!
أهل بغداد هل ترق قلوب
منكم راعها انقضاض عمادي؟
رق حتى قلب الجماد لفقدي
فلتكونن قلوبكم من جماد
البيمارستان:
في أواخر العصر الثالث وأوائل الرابع أنشئ معهد للطب أطلق عليه اسم البيمارستان، وكان الطبيب الكبير أبو بكر الرازي المتوفى سنة 320 يدرس فيه الطب. وقد أنشأ عضد الدولة بن بويه بيمارستانا آخر على أنقاض قصر الخلد، أطلق الناس عليه اسم البيمارستان العضدي، وأطلقوا على الذي قبله اسم البيمارستان العتيق، والبيمارستان العتيق يعتبر أول مدرسة طبية نظرية وعملية أنشئت في بغداد، وكلا البيمارستانين في الجانب الغربي. قال ابن جبير: «وبين الشارع ومحلة باب البصرة سوق المارستان، وهي مدينة صغيرة فيها المارستان الشهير ببغداد وهو على دجلة، ويتفقده الأطباء كل يوم اثنين وخميس ويطالعون أحوال المرضى به، ويرتبون لهم أخذ ما يحتاجون إليه، وبين أيديهم قومة يتولون طبخ الأدوية والأغذية، وهو قصر كبير فيه المقاصير والبيوت وجميع مرافق المساكن الملوكية ...» ا.ه. والظاهر أن هذا البيمارستان عاش إلى ما بعد سقوط بغداد بيد المغول، فقد ذكره ابن بطوطة في سنة 727 قائلا: «وهو قصر كبير خرب بقيت منه الآثار.» ولم يبق اليوم لهذا البناء أثر يهتدى به إلى مكانه.
المستنصرية:
هي المدرسة العباسية الوحيدة التي بقيت إلى يوم ماثلة للعيان، محتفظة بالكثير من الكتابات التي سطرها بناتها على جدرانها. وقد أطنب المؤرخون في وصفها، وكتب المعاصرون الرسائل الخاصة بها، وحبروا المقالات الطويلة في مبتدأ خبرها ومنتهى أمرها. وعلى الجملة، فإنها آخر مدرسة بناها خلائف بني العباس، وقد بقيت تعجمها الكوارث وتزحمها الحوادث، وتمر بها القرون مرور الريح فوق الجبل الأشم. تم بناؤها وفتحت للتدريس أبوابها سنة 631، وكان يوم افتتاحها يوما مشهودا حضره الخليفة والوزير وكبار رجال الدولة والعلماء والأدباء والأعيان وسائر الوجوه في بغداد، وأنشد الشعراء قصائد التهنئة والثناء في ذلك اليوم، وحمل إليها من قصور الخلافة في ذلك اليوم مائة وستون حملا من الكتب، سوى ما نقل إليها بعد ذلك وما أحضره أرباب الدولة والمتمولون من كتبهم تقربا إلى قلب الخليفة، ورتب فيها مدرسون على المذاهب الأربعة لكل مدرس أربعة معيدون، ورتب لخزانة كتبها خازن ومساعدون، وأجري على كل طالب في المدرسة في كل يوم أربعة أرطال من الخبز وكمية معينة من الطبيخ، ورتب لكل طالب أيضا ديناران في الشهر، إضافة إلى ما رتب لهم من الحلوى، والفاكهة، والصابون، والزيت.
وعين فيها مدرسون لإقراء القرآن وللحديث وللنحو وللطب، وأجري على المدرسين والمعيدين وسائر الموظفين ما يكفيهم من الأرزاق اليومية والشهرية، وقد بلغ ريع ما وقف عليها من العقارات والمسقفات أكثر من سبعين ألف مثقال سنويا. وقد زار ابن بطوطة هذه المدرسة وحضر التدريس فيها.
صفحه نامشخص