والقياس الأولى نص وزيادة وهو حجة قاطعة إذا كان المقيس عليه من آيات القرآن المحكمة والمحكم ما كان منه متنه نصا في معنى واحد أو ما كان متنه عاما لمعاني كثيرة لا تنافي بينها ولا شاهد حال يقتضي قصره على أحدها ولا علم له مخصص بعد البحث في كتاب يجمع الأدلة في فن ذلك الدليل، فإذا كان المقيس عليه كذلك، فالمقيس مقطبوع بوجوب اعتقاد صحته [22ب] ووجوب العمل إن كان المقيس عليه نصا في الوجوب والعمل كقوله تعالى:[ ] {ولا تقل لهما أف ولا تنهرهما}(2) وقوله تعالى:[ ] {ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق}(3) وكقوله تعالى:[ ] {يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به}(4) فإذا قد نص الله تعالى على تحريم التأفيف وهو قول أف وهي كلمة إهانة فهو يعلم أنه تعالى يريد تحريم الضرب والقتل بالأولى والأحرى، وكذلك قد نص تعالى على تحريم قتل الأولاد خشية إملاق، فأولى مع اليسر، ونص تعالى على تحريم إرادة التحاكم، فتحريم التحاكم أولى وأحرى، والمقيس أيضا مقطوع بوجوب اعتقاد صحته وجواز العمل إذا كان المقيس عليه نصا في جواز العمل كقوله تعالى:[ ] {واضرب لهم مثلا أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث فقالوا إنا إليكم مرسلون}(1) فإذ جاز رسولان وثلاثة في وقت واحد وقرية واحدة والنبوة أعظم بيانا وخطرا من الإمامة فبالأولى أن يجوز إمامان وثلاثة في وقت واحد وقرية واحدة، وأيضا إذا كانت الرسالة يزداد حكمها قوة كما قال تعالى: {فعززنا بثالث} أي: قوينا والإمامة فرعها فتقويتها بإمام ثان وثالث أولى وأحرى وتعزى الخطبة في بلد واحد مجتمعين إلى الجميع والحقوق الواجبة من قبض شيئا فقد أجزى أهله، وإذ كانوا في بلدان عزيت الخطبة الحقوق إلى من فيها ويجب على كل منهم أن ينكر على عمال الآخر ما خالف الدليل القاطع أو الإجماع ولا يجزيهم إلا بعد مؤاذنة الآخر، فإن لم يأذن جاز دفعهم، فإن تضيقت الأمور أو لم يصدق فيهم لم يحتج مؤاذنته، فإن عجز عن دفعهم فإن رضي بما هم فيه والعياذ بالله بطلت إمامته وتعود بالتوبة من غير تجديد دعوة، وأيضا فإن الأئمة حجج ظاهرة كالكتاب والسنة وقد كثر الله الحجج في الشيء الواحد ليؤكد بعضها بعضا فتكثير الأئمة أولى أيضا، فالإمامة من أعظم أعمال البر وقد قال تعالى:[ ] {وتعاونوا على البر والتقوى}(2) وأيضا فإن الإمام الثاني محسن بإظهار الحق ولا يضره بغض ولاة الآخر له، ولا حربهم له إذا لم يرضوا بحكم الله تعالى، فإذا كان محسنا فقد قال تعالى: {ما على المحسنين من سبيل} وأيضا قد يطلع على خلاف ما يطلع عليه الآخر قال الله تعالى في ذلك وغيره {وفوق كل ذي علم عليم} فلا بأس أن يكون أصلح منه في أشياء والآخر أصلح في أشياء، والثالث أصلح في أشياء فيتظاهرون على الخير ويتعادل ما عندهم فيتم بسعايتهم الدين، وأيضا فقد قال تعالى:[ ] {ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلين} ولم يفصل تعالى بين وقت ووقت، وبين كون الداعي نبيا واحدا كنينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم أو اثنين أو أكثر كما في سائر الأنبياء وبين كون الداعي إماما واحدا أو اثنين أو أكثر [23أ] وبين المؤذن وغيره وبين الأئمة والمحسنين والآمرين والناهين، وهذه الآية محكمة غير منسوخة إجماعا عامة كما ذكرنا بصريحها من غير تنافي بين معانيها، ولا شاهد حال يصرف إلى بعضها ولا دليل يطرح معه بعضها.
صفحه ۱۰۱