وكان الوالدون قد التهوا عنهما بالحديث، فجلست هي بجانبه وقالت بلطف: إن التقاءنا هنا مدهش عجيب، فيظهر بأنك بعد شفائك رجعت من أمريكا حالا، ولكن يا فؤاد هل علمت ببراءتي قبل الآن؟
فقال: هل تظنين أنني لو لم أعلم هذا الخبر من أمريكا كنت رجعت منها إلى حيث أنت؟
فابتسمت لكلامه الدال على عظم حقده الماضي عليها، وقالت بلطف: ولكن من أخبرك؟
قال: إن الله تمجد اسمه أوجد الموت وأوجد في قلب الإنسان رهبة منه، وجعله مهما يكن شريرا أن يشعر بافتقاره إلى تنقية الضمير والقلب قبل ذهابه من هذه الدنيا إلى حيث هي الطهارة والنقاوة؛ فإن الذي كان مسبب متاعبنا الماضية لما خاف من ملك الموت الرهيب أقر بخيانته وصرح ببراءتك. فعرفت بديعة بأنه لم يكن غير نسيب، ولكنها قالت: ومن هو؟
فأجاب فؤاد: هو ذاك الخائن نسيب!
فعلا وجهها بعض الاصفرار وقالت بحزن: وهل مات نسيب يا فؤاد؟
فابتسم وقال: وهب أنه مات فهل تأسفين على من كان سبب عذاباتنا يا بديعة؟
قالت: نعم آسف لأنني أصفح عنه من كل قلبي، وإذا كان قد مات حقيقة فأنا أحزن عليه لأنه قد أتى ما أتى مدفوعا ... ثم رفعت منديلها ومسحت به دمعتين طاهرتين سقطتا لأجل رجل لا يستحقهما.
فقال فؤاد: أرجو ألا تبكي عليه؛ لأنه لا يستحق هذه الدموع الطاهرة.
قالت: ولوسيا؟
صفحه نامشخص