الأول: التوازن بين الإيجاز والإطناب:
حينما همّ ابن الأثير في تأليف كتابه، لا أشك في أنه عمد إلى كتاب من أهم كتب شيخه" ابن الدهان"، وهو المسمى ب" الغرة في شرح لمع ابن جني" فاستقى منه أكثر مادة كتابه - كما سيأتى تفصيله (١) -، وكتاب الغرة لابن الدهان من أحسن الكتب التي ألفت في القرن السادس الهجرىّ، ومن أجمعها قال عنه ابن خلكان: (وشرح كتاب اللمع -
لابن جني - شرحا كبيرا يدخل في مجلدين، وسماه" الغرة"، ولم أر مثله مع كثرة شروح هذا الكتاب) (٢).
وابن الدهان كان علما من أعلام النحو في عصره، وكان كما قال عنه العماد الأصفهاني: (بحر لا يغضغض، وحبر لا يغمض، سيبويه عصره، ووحيد دهره) (٣).
لهذا وجد ابن الأثير - وهو العازم على الاختصار - أنه يقف أمام موسوعة نحوية مطنبة؛ فكتاب الغرة جمع من الآراء والشواهد والعلل شيئا هائلا، لو نقله المؤلف في كتابه لوقع في الإطناب الذي لم يرتضه لنفسه، ولو اختصره ربما وقع في الإيجاز المحذور، فجاء كتابه لهذا السبب جامعا لكثير من مسائل النحو والصرف مفصلا لها، وإنّ من يقرأ كتاب ابن الأثير وحده ولا يطلع على كتاب ابن الدهان سينال كامل إعجابه، ولن يرى فيه الإطناب المملّ، فهو يسوق القضايا النحوية بأسلوب واضح، ويستوفي في كل قضية جوانبها، ولكنه إن اطلع على كتاب" ابن الدهان" وغيره من الكتب المتوسعة
_________
(١) ص: ٩٣.
(٢) وفيات الأعيان (٢/ ٣٨٢).
(٣) نقله القفطي في إنباه الرواة (٢/ ٥١).
مقدمة / 77