وقد أكَّد ابن عابدين في رسالته " تنبيه الرقود " في أكثر من موضع على أن المقصود بهذه الأحكام هي النقود الاصطلاحية وليست النقود الخلقية، فقال: [ثم اعلم أن الظاهر من كلامهم أن جميع ما مرَّ في الفلوس والدراهم التي غلب غشها كما يظهر بالتأمل، ويدل عليه اقتصارهم في بعض المواضع على الفلوس وفي بعضها ذكر العدالى معها فإن العدالى ... الدراهم المنسوبة إلى العدل وكأنه اسم ملك ينسب إليه درهم فيه غش وكذا رأيت التقييد بالغالبة الغش في غاية البيان ... ويدل عليه تعليلهم لقول أبي حنيفة بعد حكايتهم الخلاف بأن الثمنية بطلت بالكساد، لأن الدراهم التي غلب غشها إنما جعلت ثمنًا بالاصطلاح، فإذا ترك الناس المعاملة بها بطل الاصطلاح فلم تبق ثمنًا فبقي البيع بلا ثمنٍ فبطل ويدل عليه أيضًا تعبيرهم بالغلاء والرخص فإنه إنما يظهر إذا كانت غالبة الغش تقوَّم بغيرها، وكذا اختلافهم في أن الواجب ردُّ المثل أو القيمة فإنه حيث كانت لا غشَّ فيها لم يظهر للاختلاف معنى بل كان الواجب ردُّ المثل بلا نزاع أصلًا وهذا كالصريح فيما قلنا]. (١)
ثم نقل ابن عابدين عن أبي السعود نقلًا عن شيخه قوله: [وإذا علم الحكم في الثمن الذي غلب غشه إذا نقصت قيمته قبل القبض كان الحكم معلومًا بالأولى في الثمن الذي غلب جيده على غشه إذا انقضت قيمته
_________
(١) تنبيه الرقود ٢/ ٥٩ - ٦٠.
1 / 56