وجوابه : لو تدري ما قلت في هذه الكلمات لأكثرت الزفرات ، وأطلت العبرات ، كيف تقول : زعما منهم أنه غير جائز كأنك المكذب بذلك ، ونصوص الكتاب والسنة القاطعات تمنعنا من معاونتهم على ظلمهم ، ولو بأقل قليل ، والجهل آفة ، ولو لا أن الكلام يخرج بنا عن المقصود لبسطنا الأدلة على منع الظلم والمعاونة عليه ، وحسبك الآن قوله تعالى : (( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان )) ، وقد لمت أنت الفضلاء بما أثنى الله به عليهم في كتابه العزيز ، ودعوتهم إلى فعل ذم الله الداخل فيه ، فهذا مؤمن آل فرعون بسط الله الثناء عليه في سورة مؤمن بما لم يذكره لأحد من الأولياء ، حتى نسبت السورة إليه من طول الثناء عليه وهو فرد واحد ، وقد خالف فرعون وقومه ولم يتبعهم في طريقهم ، وفوض أمره إلى الله ، فوقاه الله سيئات ما مكروا ، وذلك الجمع الكثير أتباع فرعون ، قد ذمهم الله على متابعته بأقبح ذم في قوله عز من قائل : (( فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين )) وذلك الرجل هو صاحب يس ، رجل مفرد جاء من أقصى المدينة يسعى إلى ذلك الجم الكثير يقول لهم : (( يا قوم اتبعوا المرسلين ، اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون )) إلى آخر ما قص الله عنه وعن قومه وعن نجاته وعن هلاكهم ، وتلك الفئة من أصحاب الكهف ، وهم نفر قليل ربي أعلم بعدتهم ، خالفوا جميع قومهم ، وفروا عن ملكهم ، وذكر الله قصتهم في الكهف ، وأثنى عليهم ، ورزقهم الكرامة الدائمة ، والسعادة الأبدية ، وذكر قومهم بعكس ذلك .
ولو عقلت أيها المعترض المجادل عن الذين يختانون أنفسهم لعلمت العلم اليقين ، أن الآفة إنما جاءت من قبل هؤلاء ، الذين عيرت أنت الفضلاء على النفرة عنهم ، فإنهم أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات ، وتبدلوا بقراءة القرآن المزامير ، وبالذكر اللهو الطرب .
صفحه ۴۷