وقال في الفصل الخامس عشر : أيها المسلم - ماذا رأيت من الخير على من تعلم اللغات الإفرنجية ، وعلومهم الدنيوية حتى خاطرت بدينك ودين ولدك هذه المخاطرة العظيمة وأوقعت نفسك وابنك في هذه المراتع الوخيمة ، إذا كانت اللغات الإفرنجية متكفلة بسعة الرزق وعلو المنزلة والعز والشرف في الدنيا ، فلم نرى هؤلاء المعلمين الذين يتعلم منهم ولدك في المدرسة هم أفقر الناس ، وأذلهم وأشقاهم وأتبعهم في معيشتهم ، لم يحصلوا شيئا من رفعة الجاه ، وعلو المنزلة والعز والشرف في دنياهم ، مع كونهم ماهرين في هذه اللغات ، وولدك إنما يأخذ بعض ما عندهم منها ، فلم ينجح ولدك في دنياه بالقليل الذي يأخذه منهم ، ويتلقاه عنهم ، وهم لم ينجحوا بالكثير الذي أفنوا في تعلمه أعمارهم ، غاية ما حصلوه من فوائد ذلك أن صاروا معلمين في المدارس ن يشتغلون طول النهار بمعاشات قليلة لا تكفيهم مع عيالهم إلا بقدر الضرورة ، وخير من معيشتهم ، وأوسع وأهنأ وأنفع ، معيشة أقل أعوام الناس المتسببين بنحو البيع والشراء ، كما هو مشاهد ، وهنالك جماعة ممن يعرفون هذه اللغات في أسوأ حالة من الاحتياج ، لا يتيسر لهم أن يكونوا معلمين ، وهم من أحوج الفقراء والمساكين ، فلو كانت معرفة هذه اللغات متكفلة بسعة الرزق وكثرة المال ، لما كان هؤلاء في أضيق معيشة ، وأسوأ حال .
صفحه ۱۲