63

بدائع الفوائد

بدائع الفوائد

ناشر

دار الكتاب العربي

شماره نسخه

الأولى

محل انتشار

بيروت

ژانرها

حدیث
بما قرب كالأصوات وهمس الحركات فإن من سمع حسك وخفي صوتك أقرب إليك في العادة ممن يقال لك أنه يعلم وإن كان علمه تعالى متعلقا بما ظهر وبطن وواقعا على ما قرب وشطن ولكن ذكر السميع أوقع في باب التخويف من ذكر العليم فهو أولى بالتقديم وأما تقديم الغفور على الرحيم فهو أولى بالطبع لأن المغفرة سلامة والرحمة غنيمة والسلامة تطلب قبل الغنيمة وفي الحديث أن النبي قال: لعمرو بن العاص " أبعثك وجها يسلمك الله فيه ويغنمك وأرغب لك رغبة من المال " صحيح فهذا من الترتيب البديع بدأ بالسلامة قبل الغنيمة وبالغنيمة قبل الكسب وأما قوله: ﴿وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ﴾ فالرحمة هناك متقدمة على المغفرة فإما بالفضل والكمال وإما بالطبع لأنها منتظمة بذكر أصناف الخلق من المكلفين وغيرهم من الحيوان فالرحمة تشملهم والمغفرة تخصهم والعموم بالطبع قبل الخصوص كقوله: ﴿فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ﴾ وكقوله: ﴿وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ﴾ ومما قدم بالفضل قوله: ﴿وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾ لأن السجود أفضل وأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فإن قيل فالركوع قبله بالطبع والزمان والعادة لأنه انتقال من علو إلى انخفاض والعلو بالطبع قبل الانخفاض فهلا قدم الركوع الجواب أن يقال: انتبه لمعنى الآية من قوله: ﴿وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾ ولم يقل اسجدي مع الساجدين فإنما عبر بالسجود عن الصلاة وأراد صلاتها في بيتها لأن صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها مع قومها ثم قال لها: ﴿اركعي مع الراكعين﴾ أي صلي مع المصلين في بيت المقدس ولم يرد أيضا الركوع وحده دون أجزاء الصلاة ولكنه عبر بالركوع عن الصلاة كما تقول: ركعت ركعتين وأربع ركعات يريد الصلاة لا الركوع بمجرده فصارت الآية متضمنة لصلاتين صلاتها وحدها عبر عنها بالسجود لأن السجود أفضل حالات العبد وكذلك صلاة المرأة في بيتها أفضل لها ثم صلاتها في المسجد عبر عنها بالركوع لأنه في الفضل دون السجود وكذلك صلاتها مع المصلين دون صلاتها وحدها في بيتها ومحرابها وهذا نظم بديع

1 / 64