البعث والنشور
تصنيف
الشيخ الإمام أبي بكر أحمد بن الحسين بن علي بن موسى البيهقي
الحافظ ﵀
(٣٨٤ - ٤٥٨ هـ)
يطبع لأول مرة كاملا على خمس نسخ خطية
حققه وضبطه وعلق عليه
أبو عاصم الشوامي الأثري
مكتبة دار الحجاز
للنشر والتوزيع
1 / 1
بسم الله الرحمن الرحيم
1 / 2
البعث والنشور
1 / 3
جميع الحقوق محفوظة
الطبعة الأولى
طبعة عام ١٤٣٦ هـ
مكتبة دار الحجاز
للنشر والتوزيع
المملكة العربية السعودية - الرياض
1 / 4
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمدُ للهِ العَلِي القَدِير الذي خلق السَّمَاواتِ والأرضَ وجعلَ الظلماتِ والنور، وأَنْذَر عِبَادَه بيومِ البَعْثِ والنُّشُور، يَوم يُنْصَب ميزانُ الحَقِّ فلا تُظْلَم نَفْسٌ من قِطْمِير، ذلك يَومُ الجَمْعِ لا رَيْبَ فيه، فَريقٌ في الجنة وفريقٌ في السَّعِير، فَمَن زُحْزِحَ عن النَّارِ وأُدْخِلَ الجَنَّة فَقد فَاز، ومَا الحَيَاةُ الدُّنيا إلا مَتَاع الغُرور، وأشهد أن لا إله إلا الله العَلِيِّ الكَبير لَيْس كَمِثْلِه شَيءٌ وهو السَّمِيعُ البَصِير، شَهَادة مَن أَقَرَّ بالعَجْز والتَّفْرِيط والتَّقْصِير، والصَّلاة والسَّلام على البَشِير النَّذِير نَبِيِّنا مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ ﷺ الذي أَرْسَله الله للعالمين بالهدى والخَير الوَفِير، فَأَدَّى الأَمَانَةَ وبَلَّغَ رِسَالَة رَبِّه، أداءً وبلاغًا لا نَقْصَ فيه ولا تَغْيِير، وعلى أبويه الكَرِيْمَيْن إبراهيمَ وإسماعيلَ ﵉، وعلى سائر الأنبياء والمرسلَين بالْهُدى والنُّور، وعَلَى أصحابه الرِّجَالِ المُطَهَّرِين الذين قَامُوا بَعْدَ نَبِيِّهم بِدَعْوَتِه، فَأَخْضَلُوا في سَبِيل ذَلِك النُّحُور، صَلاةً وسلامًا دَائمينِ مُبَارَكَيْن مَا تَعَاقَب المَلَوَانِ إلى يَومِ البَعْثِ والنُّشُور.
أَمَّا بعدُ،
فإن الله ﷿ خلق آدم، وأنزله إلى الأرض، وأخبره أنه سيرسل لذريته الهدى، الذي إِن اتُّبِعَ؛ فلا خوفٌ عَلى مُتَّبِعهِ ولا حزن، ومن خالفه؛ فهو الشَّقِي الحَزين المَغْبُون، فأرسل الله الرسل وأنزل الشرائع، وجعل
1 / 5
شريعة نبينا ﷺ هي الشريعة الخاتمة، فتكفل رب العالمين بحفظها، وحفظ ما يتعلق بها، فقال تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (٩)﴾ [الحجر] والذكر يتناول السنة بمعناه، إن لم يتناولها بلفظه، بل يتناول العربية وكل ما يُتَوقَّف عليه معرفة الحق، فإن المقصود مِنْ حِفْظِ القُرآنِ أن تبقى الحجة قائمة والهداية دائمة إلى يوم القيامة؛ لأن محمدًا ﵌ خاتم الأنبياء، وشريعته خاتمة الشرائع، والله ﷿ إنما خَلَق الخَلْقَ لعبادته، فلا يَقْطَعُ عنهم طريقَ معرفَتِها، وانقطاعُ ذلك في هذه الحياة الدنيا انقطاعٌ لِعلَّةِ بَقَائِهم فيها (١).
فَقَيَّد اللهُ ﷿ للأمة بعد نبيها رجالًا يقومون بواجب تبليغ دعوة الحق، فقام الجهابذة الكبار بواجبهم على أحسن ما أنت راء، وكان منهم الإمام الكبير أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي ﵀، الذي وعى من كتاب ربه وسنة نبيه، فحرر وصنف في أكثر أبواب الشريعة، وكان مما صنف كتاب «البعث والنشور» الذي وقعت عيني عليه قبل ثمان سنوات، ورأيت أنه لم يخرج في صورة تليق به، فعزمت على تحقيقه، وإخراجه في صورة قشيبة آنذاك، وحثني على ذلك الشيخ العلامة الوالد الدكتور أَحْمَد مَعْبَد عبد الكريم حفظه الله ورعاه، وما أن صَوَّرْتُ نُسْخَتَه الخطية التي اعْتَمَد عليها من أخرجاه قبل ذلك، حتى رزقني الله بنسخة أخرى للكتاب كانت في مكتبة جمعية المَكْنِز -وكنت باحثًا فيها آنذاك-، فساعدني مديرُها الأسبق الشيخ الكريم الفاضل المعطاء الشيخ عماد الدين عباس حفظه الله، وأَذِن لي في تصويرها، وما أن وقعت في يدي حتى اكتشفت فيها أمرين، الأول أن
_________
(١) من أول الآية الكلام للعلامة المعلمي اليماني ﵀ «التنكيل» (١/ ٤٨).
1 / 6
الكتاب المطبوع ناقص بمقدار النصف، والثاني أن النسخة الكاملة، مختصرة بحيث حذف ناسِخُهَا أسانيدَ الكِتَاب، فلا يَذكُر إلا الصَّحَابي، أو بالكاد يَذكر التابعي أو من دونه نادرًا، فأسقط في يدي، وتحسرت على فقد نصف هذا الكتاب الجليل، وشكوت ما وجدت للدكتور أحمد معبد حفظه الله تعالى فأرشدني جزاه الله خيرًا إلى أن هناك نسخة في مكتبة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، فأرسلت من فوري في طلبها، وجاءتني النسخة وكانت غاية في الجودة والإتقان، فاغتبطت بها جدا ولكن عكر علي سوء تصويرها في عدة مواضع منها، وخرم وقع في أولها وآخرها، سأصفه في بابه.
لكني عزمت على العمل وبدأت في نسخ الكتاب من نسخة الجامعة الإسلامية التي عانيت في نسخها عناء لا يقدره إلا من عانى معاناتي، ولكن همتي في إخراج كتاب لإمام كالبيهقي لم يطبع من قبل= دفعتني لإنجازه، ومرت الأيام وإذا بخبر يصك سمعي بأن أحد الإخوة قد انتهى من تحقيق الكتاب، فانثنى عزمي وخارت قوتي، وتوقفت عن العمل فيه، منتظرا لتلك الطبعة التي قالوا عنها، لكن علمت بعد ذلك أن الأمر لم يكن بالجِدِّ إنما كان كما يقولون «حجزا للكتاب»، ثم إن ربي أكرمني بنسخة مكتبة أحمد الثالث عن طريق أخي الحبيب الأستاذ وائل محفوظ، والتي قوت عزيمتي مرة أخرى فهي نسخة جيدة وكاملة، كما سيأتي وصفها إن شاء الله، وإن الله ﷿ إذا أراد شيئا هيئ أسبابه، فكان من تقدير الله أن يوفقني لنسخة أخرى ألا وهي نسخة مكتبة سان بطرس برج، فعلمت أن الله ﷿ قد شاء أن أمضي في الكتاب قدما، فالحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
وسينتظم حديثي في هذه المقدمة في خمسة أبواب:
1 / 7
الأول: التعريف بالكتاب
هو كتاب «البعث والنشور» كما سماه مصنفه ﵀ في كتاب «شعب الإيمان» في عدة مواضع منه، وفي كتاب «الاعتقاد» في موضع واحد، وفي كتاب «حياة الأنبياء بعد وفاتهم» في موضع واحد.
وكذلك ذكره الذهبي في ترجمته من «سير أعلام النبلاء» (١٨/ ١٦٦)، فقال: وكتاب «البعث» مجلد. وفي «تاريخ الإسلام» (١٠/ ٩٥)، وقال: «البعث والنشور».
وذكره السبكي في طبقاته (٤/ ١٠)، في معرض ذكر مصنفات البيهقي، وقال: «وَكلهَا مصنفات نظاف مليحة التَّرْتِيب والتهذيب كَثِيرَة الْفَائِدَة يشْهد من يَرَاهَا من العارفين بِأَنَّهَا لم تتهيأ لأحد من السَّابِقين».
وكذلك الحاج خليفة في «كشف الظنون» (٢/ ١٤٠٢).
وغير هؤلاء من الأئمة الذين سنذكرهم في الباب الآتي.
وقد انتهج البيهقي ﵀ في كتاب «البعث والنشور» نفس المنهج الذي انتهجه في سائر مصنفاته، كعادة المتقدمين في التصنيف، وذلك بإيراد الترجمة ثم الاستدلال عليها من القرآن والسنة المسندة، وقد استوعب البيهقي ﵀ جُل الأبواب التي تتعلق بهذا الموضوع، فبدأ ﵀ بباب الإيمان بذلك اليوم، وبين بالأسانيد الصحيحة أن منكره كافر، ثم استعرض أبواب أشراط الساعة، مستغرقا في ذلك لربع أحاديث الكتاب، ثم شرع في الكلام عن أبواب انقضاء الدنيا والنفخ في الصور، والحشر، والنشر، والقيام بين يدي رب العزة ﵎، وذكر طول هذا اليوم، وعرض جملة وفيرة من التفسير المسند لآيات الذكر الحكيم التي تتناول وصف ذلك
1 / 8
اليوم، ثم ذكر الميزان، والقصاص، والمرور على الصراط، وذكر أحوال المؤمنين والكافرين في ذلك، ثم ذكر أبواب الشفاعة وأطنب فيها وأجاد، وعرض فيها مذهب أهل السنة في ذلك، ثم ذكر عدة أبواب تتناول بعض القضايا المتعلقة باليوم الآخر، والتي قد يستشكل فهمها على بعض الناس كفداء المؤمن بالكافر، ثم ذكر حوض النبي ﷺ وذكر صفته، ثم ذكر حال أصحاب الأعراف، ثم ذكر أبواب الإيمان بالجنة والنار، وأنهما مخلوقتان، وذكر صفتهما وما أعد فيهما لأهلهما، ثم ختم الكتاب بحديث الصور الطويل الذي يتضمن ذكر الكثير من أحوال يوم القيامة.
وعادة ما يبدأ البيهقي ﵀ الباب بآيات الذكر الحكيم الذي تدل على المعنى المراد، ثم يذكر بأسانيده ما يوافق فيه أو يساوي أو يصافح الإمامين الجليلين البخاري ومسلم، ثم يخرج هو بنفسه الحديث منهما، وقد صرح البيهقي ﵀ في مقدمة كتابه «دلائل النبوة» (١/ ٤٧) فقال: «وقد صنف جماعة من المتأخرين في المعجزات وغيرها كتبا، وأوردوا فيهاأخبارا كثيرة من غير تمييز منهم صحيحها من سقيمها، ولا مشهورها من غريبها، ولا مرويّها من موضوعها، حتى أنزلها من حسنت نيته في قبول الأخبار منزلة واحدة في القبول، وأنزلها من ساءت عقيدته في قبولها منزلة واحدة في الردّ.
وعادتي- في كتبي المصنّفة في الأصول والفروع- الاقتصار من الأخبار على ما يصح منها دون ما لا يصح، أو التمييز بين ما يصح منها
1 / 9
وما لا يصح، ليكون الناظر فيها من أهل السنة على بصيرة مما يقع الاعتماد عليه، لا يجد من زاغ قلبه من أهل البدع عن قبول الأخبار مغمزا فيما اعتمد عليه أهل السنة من الآثار».
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀ «لكن البيهقي يُنَقِّي الآثار ويُمَيِّزُ بين صحيحها وسقيمها أكثر من الطحاوي» (١).
هذا ويُعَدُّ كتاب «البعث والنشور» من أطول كتب الإمام البيهقي ﵀ المصنفة في موضوع واحد بعد كتابه «الجامع لشعب الإيمان».
* * * * *
_________
(١) «مجموع فتاوى ابن تيمية» (٢٤/ ١٥٤).
1 / 10
الثاني: أهمية الكتاب
ترجع أهمية كتاب «البعث والنشور» إلى كونه من الكتب المسندة التي حوت لنا الكثير من الأسانيد، لذا فهو يُعد أصلا من الأصول التي اعتمد عليها كثير من الأئمة الذين جاءوا بعده، فقد كان مصدرا من مصادر كل من الإمام أبي زكريا النووي ﵀ في «شرح صحيح مسلم»، والإمام ابن رجب الحنبلي في كتابه «فتح الباري شرح صحيح البخاري»، والإمام سراج الدين ابن الملقن في كتابيه «التوضيح لشرح الجامع الصحيح»، و«البدر المنير»، والإمام الطِّيْبِي في كتابه «الكاشف عن حقائق السنن»، والحافظ ابن كثير في كتابه «البداية والنهاية»، والإمام الزيلعي في «تخريج أحاديث الكشاف»، والإمام الحافظ ابن حجر في كتابيه «فتح الباري بشرح صحيح البخاري»، و«تغليق التعليق»، والإمام بدر الدين العيني في كتابه «عمدة القاري بشرح صحيح البخاري»، والإمام القسطلاني في كتابه «إرشاد الساري شرح صحيح البخاري»، والإمام السيوطي في كتابيه «الدر المنثور»، و«نواهد الأبكار وشوارد الأفكار» (١)، وغير هؤلاء من الأئمة والعلماء.
ثم إن الإمام البيهقي ﵀ قد حفظ لنا كثيرًا من الروايات لبعض المصنفات التي طبعت والتي لم تطبع كاملة، والتي فُقِدَت، فقد روى بإسناده جملة لا بأس بها من طريق كل من الإمام:
مجاهد بن جبر في كتابه «التفسير».
أبي داود الطيالسي في كتابه «المسند».
_________
(١) هذا الكتاب حاشية على «تفسير البيضاوي».
1 / 11
أبي داود السجستاني في كتابه «السنن».
أبي عبد الله أحمد بن حنبل في كتابه «المسند».
أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري في كتابه «التاريخ الكبير».
أبي بكر ابن أبي شيبة في كتابه «المصنف».
أبي بكر عبد الرزاق بن همام الصنعاني في كتابه «التفسير».
أبي يوسف يعقوب بن سفيان الفسوي في كتابه «المعرفة والتاريخ».
أبي عثمان سعيد بن منصور في كتابه «التفسير -من السنن-».
أبي عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم في كتابه «المستدرك».
أبي أحمد ابن عدي الجرجاني في كتابه «الكامل في ضعفاء الرجال».
وغير هؤلاء من الأئمة الذين صنفوا الأجزاء والأمالي، أو الذين جُمِعَت أحاديثهم عن شيخ معين وأفردت في مصنف.
ويغني الحديث ها هنا عن ذكر المصادر التي اعتمد عليها البيهقي فها هي بين يديك، سوى أنه اعتمد أيضا على كتاب أبي عبد الله الحليمي «المنهاج في شعب الإيمان»، وكذلك كتاب «أعلام الحديث» للخطابي، و«من معالم السنن» له أيضًا، وكتاب «تأويل مختلف الحديث» لابن قتيبة الدينوري.
هذا وللكتاب أهمية أخرى وفائدة جليلة، حيث استخرج الإمام البيهقي ﵀ على الإمامين البخاري ومسلم رحمهما الله جملة كبيرة من الأحاديث التي أخرجاها، ولا يخفى على من له أدنى عناية بهذا الشأن أهمية هذه المستخرجات، من ذكر زيادات في المتون قد يستفاد منها حكمًا جديدًا، أو
1 / 12
إيضاح لمعنى أو غير ذلك من فوائد زيادات المتون، وكذلك العلو في الإسناد وهو من الأهمية بمكان، وهذه المستخرجات حَرِيَّة أن تُفْرَد في مصنف مستقل بحيث يتم جمعها من كتب الإمام البيهقي.
* * * * *
1 / 13
الثالث: وصف النسخ الخطية
وقد أكرمني الملك الجليل بتحقيق هذا الكتاب على خمس نسخ خطية وصفها كالآتي:
١ - نسخة المكتبة المحمودية، وقد حصلت عليها من مصورات مكتبة الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، وقد صورها لي أخي الحبيب أبو جويرية المديني إيهاب الصاوي حفظه الله تعالى.
وتقع النسخة في اثنين وأربعين ومائة ورقة، في كل ورقة وجهان، ومسطرتها زهاء خمس وعشرين سطرا، في كل سطر زهاء العشرين كلمة. وكتبت بخط نسخي عادي.
وقد قسمت إلى أربعة أجزاء، ختم كل جزء منها بما يلي:
«سمع هذه الأربعة الأجزاء وهو ... (١) من الأصل على صاحبها الشيخ الفقيه الإمام الجليل السيد الأوحد أبو المرجا إلياس بن أحمد بن عبد الله الشافعي الدمشقي على الشيخ الإمام الأَجَلِّ الشيخ الأوحد الأغر صدر الحفاظ محدث الشام ناصر السنة أبي القاسم علي بن الحسن بن هبة الله الشافعي الدمشقي، وتقي الدين أبو الحرم مكي بن علي بن الحسن العراقي، وضياء الدين ابو القاسم عبد الملك بن زيد بن ياسين الشافعي يعرف بالدولعي، وأبو العباس أحمد بن أبي البركات بن عثيمة البصري، وشمس الدين أبو عبد الله محمد بن المحسر بن الحسين بن أبي المضاء، وأبو القاسم علي بن عبد الوهاب بن جعفر الحسيني، وأبو الفتح نصر الله بن محمد بن
_________
(١) ويذكر رقمه.
1 / 14
ناصر، والفقيه أبو الثناء محمود بن غازي بن محمد وولداه إسماعيل وعبد الكافي، وأبو إسحاق إبراهيم بن علي بن محمد الصفار المصري، وجماعة أسمائهم على أصل الشيخ سلمه الله، وصح لهم ذلك بقراءة كاتب البلاغ صالح بن إسماعيل بن محمد بن إسماعيل الطرائفي الخوارزمي الكاثي في المئذنة الشرقية من جامع دمشق حماها الله تعالى في شهر رمضان سنة اثنين وخمسين وخمسمائة».
وهي نسخة جيدة جدا حيث إنها لا تكاد تخطئ إلا في القليل جدًا، ولكنها تنقص من أولها أوراقًا تعادل مائة وثلاثين إسنادًا، ومن آخرها أوراقًا تعادل أربعا وستين إسنادًا، ولا ريب في جودتها إذ قرأت على الإمام أبي القاسم ابن عساكر، وهو أحد رواة الكتاب، ويبدأ كل جزء من الكتاب بما يلي:
«كتاب البعث والنشور تصنيف الشيخ الإمام أبي بكر أحمد بن الحسين ابن علي بن موسى البيهقي الحافظ ﵀، مما أخبرنا به الشيخ الإمام أبو عبد الله محمد بن الفضل بن أحمد الفراوي الفقيه، عنه، رواية الشيخ الفقيه الأجل الإمام الحافظ الثقة صدر الحفاظ أبي القاسم الحسن بن علي بن الحسن بن هبة الله الشافعي ﵁».
وبالخرم الواقع في آخرها غاب عنا اسم ناسخها وتاريخ النسخ، غير أنى على يقين من أنها كتبت قبل سنة اثنين وخمسين وخمسمائة. إذ كان هذا هو تاريخ كتابة البلاغ، الذي تم بعد النسخ بلا ريب، إذن فبين نسخها وبين وفاة المصنف أقل من مائة سنة، ولا أعلم نسخة للكتاب أقدم منها والله تعالى أعلم.
1 / 15
وقد اصطلحت لها الرمز «م».
٢ - نسخة مكتبة معهد الاستشراق بسان بطرس برج بروسيا، برقم (c ١٠٤٠) وهي من مصورات مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث بدبي.
وتقع في ثمان وأربعين ومائتين ورقة، في كل ورقة وجهان، ومسطرتها زهاء العشرين سطرا، في كل سطر زهاء اثني عشر كلمة، وكتبت بخط نسخي جميل، وهي مضبوطة بالشكل في أكثر المواضع إلا أن ضبطها لا يعتمد عليه البتة، وقد سقط منها الورقة الأولى، وفيها مقدمة المصنف، وكذلك خرم بمقدار ورقة كاملة في أثناءها أستغرق حوالي ثلاثة وثلاثين إسنادًا، ويبدو لي أن الخمس ورقات الأُوَل منها كتبت بخط مختلف عن باقي النسخة، وهي نسخة جيدة في جملتها وقد قوبلت على غيرها يظهر ذلك من التصحيحات والبلاغات التي في حواشيها.
وناسخها هو يوسف بن عبد الله المعروف بالقشامي ﵀.
وتاريخ النسخ في ذي القعدة سنة تسع وسبعين وخمسمائة.
وألحق بها ورقة ونصف ورقة، مكتوب عليها سماعات لهذا الكتاب.
وقد اعتمدت نفس الأصل الذي اعتمدته النسخة السابقة، إذ جاء في حاشيتها عند بداية الجزء الثاني من النسخة السابقة: «أول الثاني»، وجاء في نهاية الجزء الثالث: «آخر الجزء الثالث من الأصل».
كما جاء في آخرها: «بلغت معارضة بأصل الحافظ أبي القاسم ابن عساكر ... بخطه مع الموفق أبي الفتح نصر الله بن محمد ...، ... حسيب الطاقة، فصح ولله الحمد والمنة».
1 / 16
وقد اصطلحت لها الرمز «ب».
٣ - نسخة مكتبة أحمد الثالث باستنبول- تركيا، (مكتبة متحف طوب قابو سراي) رقم ٥٥٧.
وتقع في واحد وسبعين ومائة ورقة، في كل ورقة وجهان، ومسطرتها زهاء ثلاثة وعشرين سطرًا في كل سطر زهاء ثلاث عشرة كلمة، وكتبت بخط نسخي واضح، وهي نسخة كاملة، إلا أنه سقط منها الورقة رقم (٢٤) وتستغرق من أثناء حديث رقم (١٤٦)، إلى أثناء حديث (١٥٥)، وكذلك حدث خرم بمقدار ورقة في آخرها يبدأ وينتهي في أثناء حديث الصور الطويل.
وهذه النسخة قد اختلف إسنادها عن النسختين السابقتين في أولها، فقد جاء في أولها ما يلي: «أخبرنا مولانا الشيخُ الإمامُ أستاذُ العُلماءِ، رئيسُ أهلِ السُّنة، ناصرُ الحديث، مُظهِر طَريقةِ السَّلف، شَرَفُ المِلَّة والدِّين، أبو حامد محمود بنُ عبد الرحمن بنِ سفهسلار الطَّرَازِي ﵁، أخبرنا الشيخُ الإمام العالمُ سيف الملة والدين محمد بن أحمد بن عبد الرحيم الزَّنْجَاني، أخبرنا الشيخ الإمام رَضِيُّ الدين أبو الخير أحمد بن إسماعيل بن يوسف القَزْوِيِنيُّ الطَالقَاني، أخبرنا أبو المَعَالي محمد بن إسماعيل الفَارِسِي، أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي البَيْهَقِيُّ قال: ...».
فهي من رواية أبي المعالي الفارسي، عن البيهقي وليست من رواية الفراوي، إلا أنه في بداية الجزء الرابع على ترتيب نسخة ابن عساكر جاء فيها ما يلي: «أخبرنا الشيخ الفقيه أبو عبد الله محمد بن الفضل قال: أخبرنا الإمام أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي الحافظ قال: ...».
فرجع الإسناد مرة أخرى إلى الفراوي.
1 / 17
وهي نسخة كاملة كما ذكرنا وحفظت لنا صفحة العنوان، ومقدمة المصنف، وقد جاء على طرتها ما يلي: «كتاب البعث والنشور تصنيف الشيخ الإمام أبي بكر أحمد بن الحسين بن علي .... (١) البيهقي الحافظ ﵀».
وناسخها هو محمود بن محمد بن أحمد العلوي ﵀.
وتاريخ النسخ في عشر ليال خلون من جمادى الآخر سنة خمس وستين وخمسمائة.
وكان النسخ بمدينة دوقات (٢).
وقد جاء في آخرها ما يلي: «تمت المقابلة مع النسخة التي نقلت عنها بحمد الله».
وهي نسخة جيدة جدًا وهي عندي أفضل من نسخة سان بطرس برج، ولكني قدمتها عليها في الذكر لتقدم نسخها وحسب.
وقد جاء في أول صفحة منها إجازة بخط راويها وهو محمود بن عبد الرحمن الطرازي لتلميذه الأمير محمود بن الخطير، ونصها:
«بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة على سيد الخلق محمد وآله أجمعين، قال النبي ﷺ الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء، استخرت الله ́ وأجزت للوُلد الأعز الأمير العالم الفاضل صاحب السيف والقلم ضياء الدين محمود
_________
(١) طمس بفعل خاتم المكتبة.
(٢) ويقال لها توقات، وهي بلدة في أرض الروم بين قونيا وسيواس ذات قلعة حصينة وأبنية مكينة، بينها وبين سيواس يومان. ينظر «معجم البلدان» (٢/ ٥٩)، وهي الآن بلدة بتركيا.
1 / 18
ابن الخطير، بَلَّغه الله مناه، وأحسن في الآخرة مثواه = أن يروي عني كتاب البعث والنشور للإمام الحافظ أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي سقى الله ثراه، بالأسانيد المذكورة في أول الكتاب، وبجميع البيهقيات وأجزت أيضًا أن يروي عني جميع مسموعاتي ومجازاتي، ... من التفاسير والأحاديث وكتب ... والأدب، وجميع ما للسماع والإجازة يدخل، وأنا بريء من الغلط والتصحيف والتحريف، وأنا عبد الله الفقير إلى رحمة ربه القدير محمود بن عبد الرحمن الطرازي، نزيل سِواس، كتبته في السادس من رجب سنة خمس وستين وستمائة (١) حامدًا الله تعالى مصليًا على نبيه محمد وآله».
وقد اصطلحت لها الرمز «ث».
٤ - نسخة مكتبة الوزير الشهيد علي باشا- بتركيا رقم (١٥٧٢)، وهي من مصورات معهد المخطوطات العربية بالقاهرة.
وتقع في واحد وعشرين ومائة ورقة، في كل ورقة وجهان، مسطرتها زهاء واحد وعشرين سطرًا، في كل سطر زهاء ثلاث عشرة كلمة، وكتبت بخط نسخي عادي، وهي نسخة مسندة لكن سقط منها النصف الأول من الكتاب ويعادل اثنين وثلاثين بابًا من أبواب الكتاب فقد بدأت بالباب الثالث والثلاثين (بَابُ قَولِهِ ﷿: ﴿وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (٢٨)﴾ مَعَ سَائِرِ مَا يَحْتَجُّ بِهِ مَن أنكَرَ الشَّفَاعَةَ) وقد استغرق ذلك ستين وخمسمائة حديث، ما يعادل نصف أسانيد الكتاب تقريبًا.
وبالنقص الواقع في هذه النسخة من أولها غاب عنا إسناد الكتاب، إلا
_________
(١) وهو نفس تاريخ النسخ، وقد مر أن سيواس بينها وبين توقات مسرة يومين، وهي تقع في تركيا.
1 / 19
أنه عند بداية الباب رقم (٤٩) كتب «أخبرنا الشيخ الفقيه أبو عبد الله محمد بن الفضل بن أحمد الفراوي قراءة عليه قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي قال: ...»
وقد اعتمد ناسخها الأصل الذي اعْتَمَدَتْهُ نسخةُ المحمودية، فقد كتب في الحاشية قبل بداية باب (٤٩) (باب ما جاء في أنهار الجنة ...) = هذا آخر جزء الأصل، وكذلك هو في نسخة المحمودية.
وقد زيل الناسخ الكتاب بتعقيبة في نهاية كل صفحة من صفحات الظَّهر.
وهي عندي في تقييمي أقل النسخ جودة، ويبدو أن ناسخها لم يكن من المشتغلين بعلم الحديث، إلا أن عنده أمانة في النقل فقد التزم برسم الكثير من الكلمات التي ربما لم يكن يفهم معناها.
وناسخها هو أحمد بن علي بن المجاهد إسرائيل الأنصاري ﵀.
وتاريخ نسخها في يوم الأحد خامس شهر صفر من سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة.
وقد اصطلحت لها الرمز «ع».
٥ - نسخة مكتبة تستر بيتي بأيرلندا رقم (٣٢٨٠).
وتقع في ستة وخمسين ومائة ورقة، في كل ورقة وجهان، ومسطرتها خمسة عشر سطرًا في الوجه، في كل سطر زهاء سبعة عشر كلمة، وكتبت بخط نسخ عادي دقيق، وقد ضبطت كلماتها في مواضعَ كثيرة.
وهي نسخة كاملة تشتمل على جميع أبواب الكتاب، وكذلك مقدمة
1 / 20