باب هادی عشر

علامه حلی d. 726 AH
35

فهو أنه لما كانت الضرورة داعية فى حفظ النوع الإنسانى إلى الاجتماع الذي يحصل معه مقاومة كل واحد لصاحبه فيما يحتاج إليه ، استلزم ذلك الاجتماع تجاذبا وتنازعا يحصلان من محبة كل واحد لنفسه وإرادة المنفعة لها دون غيرها بحيث يفضى ذلك إلى فساد النوع واضمحلاله ، فاقتضت الحكمة وجود عدل يفرض شرعا يجرى بين النوع بحيث ينقاد كل واحد الى أمره وينتهى عند زجره. ثم لو فرض ذلك الشرع إليهم لحصل ما كان أولا ، اذ لكل واحد رأى يقتضيه عقله وميل يوجبه طبعه ، فلا بد حينئذ من شارع متميز بآيات ودلالات تدل على صدقه كى يشرع ذلك الشرع مبلغا له عن ربه يعد فيه المطيع ، ويتوعد العاصى ليكون ذلك ادعى إلى انقيادهم لأمره ونهيه. وأما فى أحول معادهم فهو انه لما كانت السعادة الأخروية لا تحصل الا بكمال النفس بالمعارف الحقة والأعمال الصالحة ، وكان التعلق بالأمور الدنيوية وانغمار العقل فى الملابس الدنية البدنية مانعا من ادراك ذلك على الوجه الأتم والنهج الأصوب ، أو يحصل إدراكه لكن مع مخالجة الشك ومعارضة الوهم ، فلا بد حينئذ من وجود شخص لم يحصل له التعلق المانع بحيث يقرر لهم الدلائل ويوضحها لهم ويزيل الشبهات ويدفعها ويعضد ما اهتدت إليه عقولهم ، ويبين لهم ما لم يهتدوا إليه ، ويذكرهم خالقهم ومعبودهم ، ويقرر لهم العبادات والأعمال الصالحة ما هى؟ وكيف هى على وجه يوجب لهم الزلفى عند ربهم ، ويكررها عليهم ليستحفظ التذكير بالتكرير كى لا يستوى عليهم السهو والنسيان اللذان هما كالطبيعة الثانية للإنسان ، وذلك الشخص المفتقر إليه فى احوال المعاش والمعاد هو النبي. والنبى واجب فى الحكمة وهو المطلوب.

قال : وفيه مباحث : الأول ، فى نبوة نبينا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب رسول الله (ص)، لأنه ظهر المعجزة على يده كالقرآن ، وانشقاق القمر ، ونبوع الماء من بين أصابعه ، وإشباع الخلق الكثير من الطعام القليل ، وتسبيح الحصى فى كفه وهى أكثر

صفحه ۳۵