أقداح وأحلام
أهواء
في السوق القديم
اللقاء الأخير
أساطير
اتبعيني
رئة تتمزق
سوف أمضي
هوى واحد
لن نفترق
سراب
وداع
لا تزيديه لوعة
عبير
عينان زرقاوان
في ليالي الخريف الحزين
أغنية قديمة
ستار
سجين
ذكرى لقاء
ملال
نهاية
في القرية الظلماء
لقاء ولقاء
هل كان حبا؟
الموعد الثالث
في أخريات الربيع
ديوان شعر
نهر العذارى
أقداح وأحلام
أهواء
في السوق القديم
اللقاء الأخير
أساطير
اتبعيني
رئة تتمزق
سوف أمضي
هوى واحد
لن نفترق
سراب
وداع
لا تزيديه لوعة
عبير
عينان زرقاوان
في ليالي الخريف الحزين
أغنية قديمة
ستار
سجين
ذكرى لقاء
ملال
نهاية
في القرية الظلماء
لقاء ولقاء
هل كان حبا؟
الموعد الثالث
في أخريات الربيع
ديوان شعر
نهر العذارى
أزهار وأساطير
أزهار وأساطير
تأليف
بدر شاكر السياب
أقداح وأحلام
أنا ما أزال وفي يدي قدحي
يا ليل أين تفرق الشرب
ما زلت أشربها وأشربها
حتى ترنح أفقك الرحب
الشرق عفر بالضباب فما
يبدو فأين سناك يا غرب؟
ما للنجوم غرقن من سأم
في ضوئهن وكادت الشهب؟
أنا ما أزال وفي يدي قدحي
ياليل أين تفرق الشرب؟ •••
الحان بالشهوات مصطخب
حتى يكاد بهن ينهار
وكأن مصباحيه من ضرج
كفان مدهما لي العار
كفان؟! بل ثغران قد صبغا
بدم تدفق منه تيار
كأسان ملؤهما طلى عصرت
من مهجتين رماهما الحب
أو مخلبان عليهما مزق
حمراء تزعم أنها قلب •••
يا ليل، أين تطوف بي قدمي؟
في أي منعطف من الظلم؟
تلك الطريق أكاد أعرفها
بالأمس عتم طيفها حلمي
هي غمد خنجرك الرهيب وقد
جردته ومسحت عنه دمي
تلك الطريق على جوانبها
تتمزق الخطوات أو تكبو
تتثاءب الأجساد جائعة
فيها كما يتثاءب الذئب •••
حسناء يلهب عريها ظمئي
فأكاد أشرب ذلك العريا
وأكاد أحطمه فتحطمني
عينان جائعتان كالدنيا
غرست يد الحمى على فمها
زهرا بلا شجر فلا سقيا
إن فتحته بحرها شفة
ظمأى يعربد فوقها ندب
رقص اللهيب على كمائمه
ومشى الطلاء يهزه الوثب •••
عين يرنح هدبها نفسي
وفم يقطع همسه الداء
ويد على كتفي مجلجلة
واخجلتاه! أتلك حواء؟!
لا كنت آدمها ولا لفحت
فردوسي الخمري صحراء
صوت النعاس يرن في أفقي
فتذوب ناعسة له السحب
وانثال من سهري على سهري
ينبوعه المتثائب الرطب •••
يا نوم بين جوانحي أمل
لم أدر، قبلك، أنه أمل
مثل الفراشة بات يحبسها
دوح بذائب طله خضل
لولا خفوق جناحها غفلت
بيض الأزاهر عنه والمقل
أنا من ظلالك بين أودية
عذراء كل مهادها عشب
هام الضباب على رفارفها
طل الوشاح كنجمة تخبو •••
ماذا أراه؟! أطيفها مسحت
عنه التراب أنامل الغسق؟
هو يا فؤادي غيرها رفة
هو من دمائك أنت من حرقي!
هو ما نحن إليه بادلني
حبي وفتح بالسنا أفقي
فإذا لثمت فغير خادعة
باتت لكل مخادع تصبو
أفكان سورا قام بينهما - بين الخيانة والهوى - هدب؟ •••
خفقت ذوائبها على شفتي
وسنى فأسكر عطرها نفسي
نهر من الأطياب أرشفني
ريحا تريب مجامر الغلس
فكأن نايا ضمخته يدا
آذار غرد ليلة العرس
فغفا وما زالت ملاحنه
ملء الفضاء يعيدها الحب
أو أن سوسنة يراقصها
رجع الغناء بشعرها تربو •••
يا جسم طيفك أنت يا شبحا
من ذكرياتي يا هوى خدعا
لعناتي الحنقات ما برحت
تعتاد خدرك والظلام معا
خفقت بأجنحة الغراب على
عينيك تنشر حولك الفزعا
الصبح صبحك ضحك شامتة
والليل ليلك مضجع ينبو
وإذا هلكت غدا فلا تجدي
قبرا ومزق صدرك الذئب؟ •••
والبوم يملأ عشه نتفا
من شعرك المتعفر النخر
ويعود ثغرك للذباب لقى
ويداك مثقلتان بالحجز
لا تدفعان أذاه عن شفة
بالأمس أخرس لغوها وتري
وليسق من دمك الخبيث غدا
دوح تعشش فوقه الغرب
تأوي الصلال إلى جوانبه
غرثى ويعوي تحته الكلب!
14 / 12 / 1946
أهواء
إلى المنتظرة ...
أطلي على طرفي الدامع
خيالا من الكوكب الساطع
ظلا من الأغصن الحالمات
على ضفة الجدول الوادع
وطوفي أناشيد في خاطري
يناغين من حبي الضائع
يفجرن من قلبي المستفيض
ويقطرن في قلبي السامع •••
لعينيك للكوكبين اللذين
يصبان في ناظري الضياء
لنبعين كالدهر لا ينضبان
ولا يسقيان الحيارى الظماء
لعينيك ينثال بالأغنيات
فؤاد أطال انثيال الدماء
يود إذا ما دعاك اللسان
على البعد لو ذاب فيه النداء •••
يطول انتظاري لعلي أراك
لعلي ألاقيك بين البشر
سألقاك لا بد لي أن أراك
وإن كان بالناظر المحتضر
فديت التي صورتها مناي
وظل الكرى في هجير السهر
أطلي على من حباك الحياة
فأصبحت حسناء ملء النظر! •••
أطلي فتاة الهوى والخيال
على ناظر بالرؤى عالق
بعشرين من ريقات السنين
عبرن المدرات في خافقي
بعشرين كلا وهبت الربيع
وما فيه من عمري العاشق
فما ظل إلا ربيع صغير
أخبيه للموعد الرائق •••
سأروي على مسمعيك الغداة
أحاديث سميتهن الهوى
وأنباء قلب غريق السراب
شقي التداني، كئيب النوى
أصيخي فهذي فتاة الحقول
وهذا غرام هناك انطوى
أتدرين عن ربة الراعيات؟
عن الريف؟ عما يكون الجوى؟ •••
هو الريف هل تبصرين النخيل؟
وهذي أغانيه هل تسمعين؟
وذاك الفتى شاعر في صباه
وتلك التي علمته الحنين
هي الفن من نبعه المستطاب
هي الحب من مستقاه الحزين
رآها تغني وراء القطيع
ك (بنلوب) تستمهل العاشقين •••
فما كان غير التقاء الفؤادي
ن في خفقة منهما عاتيه
وما كان غير افترار الشفاه
بما يشبه البسمة الحانيه
وكان الهوى ثم كان اللقاء
لقاء الحبيبين في ناحيه
فما قال أهواك حتى ترامى
عياء على ضفة الساقيه •••
وأوفى على العاشقين الشتاء
ويوم دجا في ضحاه السحاب
خلا الغاب ما فيه إلا النخيل
وإلا العصافير فهو ارتقاب
وبين الحبيبين في جانبيه
من السعف في كل ممشى حجاب
فما كان إلا وميض أضاء
ذرى النخل وانحل غيم وذاب •••
ويا سدرة الغاب كيف استجارا
بأفنانك الناطفات المياه
رآها وقد بل من ثوبها
حيا زخ فاستقبلتها يداه
على الجذع يستدفئان الصدور
على موعد كل آه بآه
سلي الجذع كيف التصاق الصدور
بهزاتها، وابتعاد الشفاه؟ •••
أشاهدت يا غاب رقص الضياء
على قطرة بين أهدابها؟
ترى أهي تبكي بدمع السماء
أساها وأحزان أترابها؟
ولكنها كل نور الحقول
ودفء الشذى بين أعشابها
وأفراح كل العصافير فيها
وكل الفراشات في غابها •••
وذاك الخصام الذي لو يفدى
لفديت ساعاته بالوئام
أفديه من أجل يوم ترف
يد فيه أو لفتة بالسلام
ومن أجل عينين لا تستطيعا
ن أن تنظرا دون ظل ابتسام
تذوب له قسوة في الأساري
ر كالصحو ينحل عنه الغمام •••
خصاما ولما نعل الكئوس؟
أحطمتها قبل أن نسكرا؟
خصاما، وما زال بعض الربيع
نديا على الصيف مخضوضرا؟
خصاما؟ فهل تمنعين العيون
إذا لألأ النور أن تنظرا؟
وهل توقفين انعكاس الخيال
من النهر، أن يملك المعبرا؟ •••
أغاني شبابتي تستبيك
وتدنيك مني، ففيم الجفاء؟
كأن قوى ساحر تستبد
بأقدامك البيض عند المساء
ويفضي بك الدرب حيث استدار
إلى موعدي بين ظل وماء
على الشط، بين ارتجاف القلوع
وهمس النخيل، وصمت السماء •••
وحجبت خديك عن ناظري
بكفيك حينا وبالمروحات
سأشدو وأشدو فما تصنعين
إذا احمر خداك للأغنيات؟
وأرخيت كفيك مبهورتين
وأصغيت، واخضل حتى الموات
إلى أن يموت الشعاع الأخير
على الشرق، والحب، والأمنيات •••
وهيهات، إن الهوى لن يموت
ولكن بعض الهوى يأفل
كما تأفل الأنجم الساهرات
كما يغرب الناظر المسبل
كما تستجم البحار الفساح
مليا، كما يرقد الجدول
كنوم اللظى، كانطواء الجناح
كما يصمت الناي والشمأل! •••
أعام مضى والهوى ما يزال
كما كان، لا يعتريه الفتور؟
أهذا هو الصيف يوفي علينا
فنلقاه ثانية، كالزهور؟
ولكنهن زهور الخلود
فلا أظمأت ريهن الحرور
ولا نال من لونهن الشتاء
ولا استنزفت عطرهن الدهور •••
أغاني، والغاب قفر الوكون
حبيس النسائم تحت الدوالي
ترى ماءه، لاتقاد الهجير
حريقا بما فوقه من ظلال
وفوق التعاشيب، حيث الغصون
ينؤن بأفيائهن الثقال
لها مضجع هدهدته العطور
أأبصرت كيف اضطجاع الجمال؟ •••
أأمسيت أستحضر الذكريات
وما كان بالأمس كل الحياة؟
أضاعت حياتي؟ أغاب الغرام
أماتت على الأغنيات الشفاه؟
أنمسي، وما زال غاب النخيل
خضيلا وما زال فيه الرعاة
حديثا على موقد السامرين:
أحبا، وخابا، فوا حسرتاه؟ •••
أناديك لو تسمعين النداء
وأدعوك أدعوك! يا للجنون!
إذا رن في مسمعيك الغداة
من المهد صوت الرضيع الحنون
ونادى بك الزوج أن ترضعيه
ونادى صدى أخفتته السنون
فما نفعها صرخة من لهيب
أدوي بها؟ من عساني أكون؟ •••
أعفرت من كبرياء النداء؟
وأرجعت آمادي القهقرى؟
نسيت التي صورتها مناي
وناديت أنثى ككل الورى؟
وأعرضت عن مسمع في السماء
إلى مسمع في تراب القرى!
أتصغي فتاة الهوى والخيال
وأدعو فتاة الهوى والثرى؟! •••
وودعت سجواء بين الحقول
ودنيا عن الشر في معزل
وخلفت في كل ركن خضيل
من الريف ذكرى هوى أول
قصاصات أوراقي الهامسات
بشعري على ضفة الجدول
وجذعا كتبت اسمها الحلو فيه
ونايا يغني مع الشمأل •••
فمن هذه المسترق القلوب
صبى ملؤها روحه الطافرة
أما كنت ودعت تلك العيون
الظليلات والخصلة النافرة؟
كأني ترشفت قبل الغداة
سنى هذه النظرة الآسرة!
أما كان في الريف شيء كهذا؟
أما تشبه الربة الغابرة؟! •••
مشى العمر ما بيننا فاصلا
فمن لي بأن أسبق الموعدا؟
ولكنه الحب منه الزمان
ثوان، ومما احتواه المدى
أراها فأنفض عنها السنين
كما تنفض الريح برد الندى
فتغدو وعمري أخو عمرها
ويستوقف المولد المولدا •••
وهل تسمع الشعر إن قلته
وفي مسمعيها ضجيج السنين
أطلت على السبع من قبل عشري
ن عاما وما كنت إلا جنين؟
وأمسى - ولم تدر أنت الغرام -
هواها حديث الورى أجمعين
لقد نبئوها بهذا الهوى
فقالت: وما أكثر العاشقين؟! •••
أمن قلبه انثال هذا النشيد
إليها، إلى الذئبة الضارية؟
ولو لم يكن فيه طعم الدما
ء ما استشعرت رنة القافية
وما زال تسبيه غمازتان
تبوحان بالبسمة الخافية
وما زالتا تذكران الخيال
بما كان في الأعصر الخالية •••
وبالحب والغادة المستبد
صباها به، يلعبان الورق
وكيف استكان الإله الصغير
فألقى سهام الهوى والحنق
رهان، رمى فيه غمازتيه
وورد الخدود، ونور الحدق
لك الله، كيف اقتحمت القرون
ولم يخب في وجنتيك الألق؟ •••
كأن ابتسامتها والربيع
شقيقان، لولا ذبول الزهر
أآذار ينثر تلك الورود
على ثغرها؟ أم شعاع القمر؟
ففي ثغرها افتر كل الزمان
وما عمر آذار إلا شهر
وبالروح فديت تلك الشفاه
وإن أذكرتني بكأس القدر! •••
أطلي على طرفي الدامع
خيالا من الكوكب الساطع
وظلا من الأغصن الحالمات
على ضفة الجدول الوادع
وطوفي أناشيد في خاطري
يناغين من حبي الضائع
يفجرن من قلبي المستفيض
ويقطرن في قلبي السامع
1 / 2 / 1947
في السوق القديم
1
الليل، والسوق القديم
خفتت به الأصوات إلا غمغمات العابرين
وخطى الغريب وما تبث الريح من نغم حزين
في ذلك الليل البهيم.
الليل، والسوق القديم، وغمغمات العابرين
والنور تعصره المصابيح الحزانى في شحوب - مثل الضباب على الطريق -
من كل حانوت عتيق،
بين الوجوه الشاحبات، كأنه نغم يذوب
في ذلك السوق القديم.
2
كم طاف قبلي من غريب،
في ذلك السوق الكئيب،
فرأى وأغمض مقلتيه، وغاب في الليل البهيم.
وارتج في حلق الدخان خيال نافذة تضاء،
والريح تعبث بالدخان ...
الريح تعبث، في فتور واكتئاب، بالدخان،
وصدى غناء ...
ناء يذكر بالليالي المقمرات ... وبالنخيل،
وأنا الغريب أظل أسمعه ... وأحلم بالرحيل
في ذلك السوق القديم.
3
وتناثر الضوء الضئيل على البضائع كالغبار،
يرمي الظلال على الظلال، كأنها اللحن الرتيب،
ويريق ألوان المغيب الباردات، على الجدار،
بين الرفوف الرازحات كأنها سحب المغيب.
الكوب يحلم بالشراب وبالشفاه،
ويد تلونها الظهيرة والسراج أو النجوم.
ولربما بردت عليه، وحشرجت فيه الحياة،
في ليلة ظلماء باردة الكواكب والرياح،
في مخدع سهر السراج به، وأطفأه الصباح.
4
ورأيت من خلل الدخان، مشاهد الغد كالظلال.
تلك المناديل الحيارى وهي تومئ بالوداع
أو تشرب الدمع الثقيل، وما تزال
تطفو وترسب في خيالي هوم العطر المضاع
فيها، وخضبها الدم الجاري!
لون الدجى وتوقد النار
يجلو الأريكة ثم تخفيها الظلال الراعشات
وجه أضاء شحوبه اللهب
يخبو، ويسطع، ثم يحتجب
ودم يغمغم وهو يقطر ثم يقطر: مات ... مات!
5
الليل، والسوق القديم، وغمغمات العابرين
وخطى الغريب.
وأنت أيتها الشموع ستوقدين
في المخدع المجهول، في الليل الذي لن تعرفيه،
تلقين ضوءك في ارتخاء مثل أمساء الخريف - حقل تموج به السنابل تحت أضواء الغروب
تتجمع الغربان فيه -
تلقين ضوءك في ارتخاء مثل أوراق الخريف
في ليلة قمراء سكرى بالأغاني، في الجنوب:
نقر [الدرابك] من بعيد
يتهامس السعف الثقيل، به، ويصمت من جديد!
6
قد كان قلبي مثلكن، وكان يحلم باللهيب،
حتى أتاح له الزمان يدا ووجها في الظلام
نار الهوى ويد الحبيب
ما زال يحترق الحياة، وكان عام بعد عام
يمضي، ووجه بعد وجه مثلما غاب الشراع
بعد الشراع، وكان يحلم في سكون؛ في سكون:
بالصدر، والفم، والعيون
والحب ظلله الخلود ... فلا لقاء ولا وداع
لكنه الحلم الطويل
بين التمطي والتثاؤب تحت أفياء النخيل.
7
بالأمس كان وكان - ثم خبا، وأنساه الملال
واليأس، حتى كيف يحلم بالضياء - فلا حنين
يغشى دجاه، ولا اكتئاب، ولا بكاء، ولا أنين
الصيف يحتضن الشتاء ويذهبان ... وما يزال
كالمنزل المهجور تعوي في جوانبه الرياح،
كالسلم المنهار، لا ترقاه في الليل الكئيب
قدم ولا قدم ستهبطه إذا التمع الصباح.
ما زال قلبي في المغيب
ما زال قلبي في المغيب فلا أصيل ولا مساء،
حتى أتت هي والضياء!
8
ما كان لي منها سوى أنا التقينا منذ عام
عند المساء، وطوقتني تحت أضواء الطريق
ثم ارتخت عني يداها وهي تهمس - والظلام
يحبو، وتنطفئ المصابيح الحزانى والطريق: «أتسير وحدك في الظلام؟
أتسير والأشباح تعترض السبيل، بلا رفيق؟»
فأجبتها والذئب يعوى من بعيد، من بعيد: «أنا سوف أمضي باحثا عنها، سألقاها هناك
عند السراب، وسوف أبني مخدعين لنا هناك.»
قالت ورجع ما تبوح به الصدى: «أنا من تريد.»
9 «أنا من تريد فأين تمضي؟ فيم تضرب في القفار
مثل الشريد؟ أنا الحبيبة كنت منك على انتظار.
أنا من تريد ...» وقبلتني ثم قالت - والدموع
في مقلتيها: «غير أنك لن ترى حلم الشباب:
بيتا على التل البعيد يكاد يخفيه الضباب
لولا الأغاني، وهي تعلو نصف وسنى، والشموع
تلقي الضياء من النوافذ في ارتخاء؛ في ارتخاء!
أنا من تريد وسوف تبقى لا ثواء ولا رحيل:
حب إذا أعطى الكثير فسوف يبخل بالقليل،
لا يأس فيه ولا رجاء.
10
أنا أيها النائي القريب،
لك أنت وحدك، غير أني لن أكون
لك أنت أسمعها، وأسمعهم ورائي يلعنون
هذا الغرام. أكاد أسمع أيها الحلم الحبيب
لعنات أمي وهي تبكي. أيها الرجل الغريب
إني لغيرك ... بيد أنك سوف تبقى، لن تسير!
قدماك سمرتا فما تتحركان، ومقلتاك
لا تبصران سوى طريقي، أيها العبد الأسير؟! ••• «أنا سوف أمضي فاتركيني: سوف ألقاها هناك
عند السراب.»
فطوقتني وهي تهمس: «لن تسير!»
11 «أنا من تريد، فأين تمضي بين أحداق الذئاب
تتلمس الدرب البعيد؟»
فصرخت: سوف أسير، ما دام الحنين إلى السراب
في قلبي الظامي! دعيني أسلك الدرب البعيد
حتى أراها في انتظاري: ليس أحداق الذئاب
أقسى علي من الشموع
في ليلة العرس التي تترقبين، ولا الظلام
والريح والأشباح، أقسى منك أنت أو الأنام!
أنا سوف أمضي! فارتخت عني يداها، والظلام
يطغي ...
ولكني وقفت وملء عيني الدموع!
3 / 11 / 1948
اللقاء الأخير
والتف حولك ساعداي، ومال جيدك في اشتهاء
كالزهرة الوسنى - فما أحسست إلا والشفاه
فوق الشفاه. وللمساء
عطر يضوع فتسكرين به، وأسكر من شذاه
في الجيد والفم والذراع
فأغيب في أفق بعيد، مثلما ذاب الشراع
في أرجوان الشاطئ النائي وأوغل في مداه! •••
شفتاك في شفتي عالقتان - والنجم الضئيل
يلقي سناه على بقايا راعشات من عناق -
ثم ارتخت عني يداك، وأطبق الصمت الثقيل.
يا نشوة عبرى، وإغفاء على ظل الفراق
حلوا، كإغماء الفراشة من ذهول وانتشاء ...
دوما إلى غير انتهاء! •••
يا همسة فوق الشفاه
ذابت فكانت شبه آه
يا سكرة مثل ارتجافات الغروب الهائمات،
رانت كما سكن الجناح وقد تناءى في الفضاء،
غرقى إلى غير انتهاء،
مثل النجوم الآفلات. ••• - «لا ... لن تراني. لن أعود
هيهات. لكن الوعود
تبقى تلح ... فخف أنت، وسوف آتي في الخيال
يوما، إذا ما جئت أنت، وربما سال الضياء
فوق الوجوه الضاحكات، وقد نسيت، وما يزال
بين الأرائك موضع خال يحدق في غباء!
هذا الفراغ! أما تحس به يحدق في وجوم؟
هذا الفراغ ... أنا الفراغ، فخف أنت لكي يدوم!» •••
هذا هو اليوم الأخير؟!
وا حسرتاه! أتصدقين؟ ألن تخف إلى لقاء؟
هذا هو اليوم الأخير، فليته دون انتهاء!
ليت الكواكب لا تسير،
والساعة العجلى تنام على الزمان فلا تفيق!
خلفتني وحدي - أسير إلى السراب بلا رفيق. •••
يا للعذاب! أما بوسعك أن تقولي: «يعجزون
عنا، فماذا يصنعون؟
لو أنني حان اللقاء
فاقتادني نجم المساء،
في غمرة لا أستفيق
إلا وأنت تلف خصري تحت أضواء الطريق!» •••
ليل ونافذة تضاء ... تقول إنك تسهرين
إني أحسك تهمسين
في ذلك الصمت المميت: «ألن تخف إلى لقاء؟»
ليل، ونافذة تضاء
تغشى رؤاي، وأنت فيها ... ثم ينحل الشعاع
في ظلمة الليل العميق.
ويلوح ظلك من بعيد وهو يومئ بالوداع،
وأظل وحدي في الطريق.
1948
أساطير
وقف اختلافهما في المذهب حائلا بينهما وبين السعادة ... فآلى هو أن يلعن الأوثان! [قصة حب في اليونان الوثنية]
أساطير من حشرجات الزمان
نسيج اليد البالية،
رواها ظلام من الهاوية
وغنى بها ميتان.
أساطير كالبيد، ماج السراب
عليها، وشقت بقايا شهاب،
وأبصرت فيها بريق النضار
يلاقي سدى من ظلال الرغيف،
وأبصرتني والستار الكثيف
يواريك عني فضاع انتظار،
وخابت منى، وانتهى عاشقان. •••
أساطير مثل المدى القاسيات
تلاوينها من دم البائسين،
فكم أومضت في عيون الطغاة
بما حملت من غبار السنين،
يقولون: وحي السماء؛
فلو يسمع الأنبياء
لما قهقهت ظلمة الهاوية
بأسطورة بالية،
تجر القرون
بمركبة من لظى، في جنون
لظى كالجنون! •••
وهذا الغرام اللجوج
أيرتد من لمسة باردة ...
على إصبع من خيال الثلوج
وأسطورة بائدة؟
وعرافة أطلقت في الرمال
بقايا سؤال،
وعينين تستطلعان الغيوب،
وتستشرفان الدروب،
فكان ابتهال ... وكانت صلاة
تعفر وجه الإله،
وتحثو عليه انطباق الشفاه. •••
تعالي فما زال نجم المساء
يذيب السنا في النهار الغريق،
ويغشى سكون الطريق
بلونين من ومضة وانطفاء.
وهمس الهواء الثقيل
بدفء الشذى واكتئاب الغروب،
يذكرني بالرحيل:
شراع خلال التحايا يذوب،
وكف تلوح. يا للعذاب! •••
تعالي فما زال لون السحاب
حزينا ... يذكرني بالرحيل
رحيل؟!
تعالي، تعالي ... نذيب الزمان،
وساعاته، في عناق طويل،
ونصبغ بالأرجوان
شراعا وراء المدى،
وننسى الغدا
على صدرك الدافئ العاطر
كتهويمة الشاعر.
تعالي؛ فملء الفضاء
صدى هامس باللقاء،
يوسوس دون انتهاء. •••
على مقلتيك انتظار بعيد
وشيء يريد:
ظلال
يغمغم في جانبيها سؤال،
وشوق حزين
يريد اعتصار السراب،
وتمزيق أسطورة الأولين
فيا للعذاب!
جناحان خلف الحجاب.
شراع ...
وغمغمة بالوداع!
24 / 3 / 1948
اتبعيني
اتبعيني
فالضحى رانت به الذكرى على شط بعيد
حالم الأغوار بالنجم الوحيد،
وشراع يتوارى، و «اتبعيني»
همسة في الزرقة الوسنى ... وظل
من جناح يضمحل،
في بقايا ناعسات من سكون،
في بقايا من سكون
في سكون! •••
هذه الأغوار يغشاها خيال
هذه الأغوار لا يسبرها إلا ملال
تعكس الأمواج في شبه انطفاء
لونه المهجور في الشط الكئيب،
في صباح ومساء
وأساطير سكارى ... في دروب
في دروب أطفأ الماضي مداها
وطواها
فاتبعيني ... اتبعيني •••
اتبعيني ... ها هي الشطآن يعلوها ذهول
ناصل الألوان كالحلم القديم
عادت الذكرى به، ساج كأشباح نجوم
نسي الصبح سناها والأفول
في سهاد ناعس ... بين جفون!
في وجوم الشاطئ الخالي، كعينيك انتظار
وظلال تصبغ الريح ... وليل ونهار.
صفحة زرقاء تجلو، في برود
وابتسام غامض، ظل الزمان
للفراغ المتعب البالي على الشط الوحيد.
اتبعيني ... في غد يأتي سوانا عاشقان،
في غد، حتى وإن لم تتبعيني،
يعكس الموج، على الشط الحزين
والفراغ المتعب المخنوق، أشباح السنين. •••
أمس جاء الموعد الخاوي ... وراحا
يطرق الباب على الماضي ... على اليأس ... عليا!
كنت وحدي ... أرقب الساعة تقتات الصباحا
وهي ترنو مثل عين القاتل القاسي إليا
أمس ... في الأمس الذي لا تذكرينه
ضوأ الشطآن مصباح كئيب ... في سفينة
واختفى في ظلمة الليل قليلا فقليلا
وتناءت، في ارتخاء وتوان
غمغمات مجهدات، وأغاني
وتلاشت، تتبع الضوء الضئيلا.
أقبلي الآن ... ففي الأمس الذي لا تذكرينه
ضوأ الشطآن مصباح كئيب في سفينه
واختفى في ظلمة الليل قليلا فقليلا.
21 / 4 / 1948
رئة تتمزق
الداء يثلج راحتي
ويطفئ الغد في خيالي
ويشل أنفاسي، ويط
لقها كأنفاس الذبال
تهتز في رئتين ير
قص فيهما شبح الزوال
مشدودتين إلى ظلا
م القبر بالدم والسعال •••
وا حسرتاه؟! كذا أمو
ت؟ كما يجف ندى الصباح؟
ما كاد يلمع بين أف
واف الزنابق والأقاحي
فتضوع أنفاس الربي
ع تهز أفياء الدوالي
حتى تلاشى في الهوا
ء كأنه خفق الجناح! •••
كم ليلة ناديت باس
مك أيها الموت الرهيب
ووددت لا طلع الشرو
ق علي إن مال الغروب
بالأمس كنت أرى دجا
ك أحب من خفقات آل
راقصن آمال الظما
ء فبلها الدم واللهيب! •••
بالأمس كنت أصيح: خذ
ني في الظلام إلى ذراعك
واعبر بي الأحقاب يط
ويهن ظل من شراعك
خذني إلى كهف تهو
م حوله ريح الشمال
نام الزمان على الزما
ن، به، وذابا في شعاعك •••
كان الهوى وهما يعذ
بني الحنين إلى لقائه
ساءلت عنه الأمنيا
ت، وبت أحلم بارتمائه
زهرا ونورا في فرا
غ من شكاة وابتهال
في ظلمة بين الأضا
لع تشرئب إلى ضيائه •••
واليوم حببت الحيا
ة إلي وابتسم الزمان
في ثغرها، وطفا على
أهدابها الغد والحنان
سمراء تلتفت النخي
ل الساهمات إلى الرمال
في لونها ... وتفر ور
قاء ويأرج أقحوان •••
شع الهوى في ناظري
ها فاحتواني واحتواها
وارتاح صدري، وهو يخ
فق باللحون، على شذاها
فغفوت أسترق الرؤى
والشاعرية من رؤاها
وأغيب في الدفء المعط
ر كالغمامة في نداها •••
عينان سوداوان أص
فى من أماسي اللقاء
وأحب من نجم الصبا
ح إلى المراعي والرعاء
تتلألآن عن الرجا
ء كليلة تخفي دجاها
فجرا يلون بالندى
درب الربيع، وبالضياء •••
سمراء يا نجما تأل
ق في مسائي ... أبغضيني
واقسي علي ولا ترق
ي للشكاة وعذبيني
خلي احتقارا في العيو
ن، وقطبي تلك الشفاها
فالداء في صدري تحف
ز لافتراسك في عيوني! •••
يا موت يا رب المخا
وف والدياميس الضريرة
اليوم تأتي؟! من دعا
ك؟ ومن أرادك أن تزوره؟
أنا ما دعوتك أيها ال
قاسي فتحرمني هواها
دعني أعيش على ابتسا
متها وإن كانت قصيرة •••
لا! سوف أحيا سوف أش
قى، سوف تمهلني طويلا
لن تطفئ المصباح ل
كن سوف تحرقه فتيلا
في ليلة في ليلتي
ن سيلتقي آها فآها
حتى يفيض سنى النها
ر فيغرق النور الضئيلا! •••
يا للنهاية حين تس
دل هذه الرئة الأكيل
بين السعال، على الدما
ء، فيختم الفصل الطويل
والحفرة السوداء تف
غر، بانطفاء النور، فاها
إني أخاف أخاف من
شبح تخبئه الفصول!
وغدا إذا ارتجف الشتا
ء على ابتسامات الربيع
وانحل كالظل الهزي
ل وذاب كاللحن السريع
وتفتحت بين السنا
بل، وهي تحلم بالقطيع
والناي زنبقة، مدد
ت يدي إليها في خشوع •••
وهويت أنشقها فتص
عد كلما صعد العبير
من صدري المهدوم حش
رجة فتحترق العطور
تحت الشفاه الراعشا
ت ويطفأ الحقل النضير
شيئا فشيئا في عيو
ني ثم ينفلت الأسير!
1948
سوف أمضي
سوف أمضي. أسمع الريح تناديني بعيدا
في ظلام الغابة اللفاء ... والدرب الطويل
يتمطى ضجرا، والذئب يعوي، والأفول
يسرق النجم كما تسرق روحي مقلتاك،
فاتركيني أقطع الليل وحيدا
سوف أمضي فهي ما زالت هناك.
في انتظاري. •••
سوف أمضي. لا هدير السيل صخابا رهيبا
يغرق الوادي، ولا الأشباح تلقيها القبور
في طريقي تسأل الليل إلى أين أسير؟
كل هذا ليس يثنيني، فعودي واتركيني،
ودعيني أقطع الليل غريبا.
إنها ترنو إلى الأفق الحزين
في انتظاري. •••
سوف أمضي. حولي عينيك لا ترني إليا!
إن سحرا فيهما يأبى على رجلي مسيرا.
إن سرا فيهما يستوقف القلب الكسيرا.
وارفعي عني ذراعيك ... فما جدوى العناق
إن يكن لا يبعث الأشواق فيا؟
اتركيني، ها هو الفجر تبدى، ورفاقي
في انتظاري.
30 / 2 / 1948
هوى واحد
على مقلتيك ارتشفت النجوم
وعانقت آمالي الآيبه
وسابقت حتى جناح الخيال
بروحي إلى روحك الواثبه
أطلت فكانت سنا ذائبا
بعينيك في بسمة ذائبه •••
أأنت التي رددتها مناي
أناشيد تحت ضياء القمر
تغني بها في ليالي الربيع
فتحلم أزهاره بالمطر
ويمضي صداها يهز الضياء
ويغفو على الزورق المنتظر؟ •••
خذي الكأس بلي صداك العميق
بما ارتج في قاعها من شراب
خذي الكأس لا جف ذاك الرحيق
ولم يبق إلا جنون السراب
وإلا صدى هامس في القرار:
ألا ليتني ما سقيت التراب •••
خذي الكأس إني زرعت الكروم
على قبر ذاك الهوى الخاسر
فأعراقها تستعيد الشراب
وتشتفه من يد العاصر
خذي الكأس إني نسيت الزمان
فما في حياتي سوى حاضر •••
وكان انتظارا لهذا الهوى
جلوسي على الشاطئ المقفر
وإرسال طرفي يجوب العباب
ويرتد عن أفقه الأسمر
إلى أن أهل الشراع الضحوك
وقالت لك الأمنيات: انظري •••
أأنكرت حتى هواك اللجوج
وقلبي وأشواقك العارمه؟
وضللت في وهدة الكبرياء
صداها فيا لك من ظالمه
تجنيت حتى حسبت النعاس
ذبولا على الزهرة النائمه •••
أتنسين تحت التماع النجوم
خطانا وأنفاسنا الواجفة
وكيف احتضنا صدى في القلوب
تغني به القبلة الراجفة
صدى لج قبل احتراق الشفاه
وما زال في غيهب العاطفة •••
ورانت على الأعين الوامقات
ظلال من القبلة النائية
تنادي بها رغبة في الشفاه
ويمنعها الشك والواشية
فترتج عن ضغطة في اليدين
جمعنا بها الدهر في ثانية ••• «شقيقة روحي ألا تذكرين»
نداء سيبقى يجوب السنين
وهمسا من الأنجم الحالمات
يهز التماعاتها بالرنين
تسلل من فجوة في الستار
إليك وقال: ألا تذكرين؟ •••
تعالي فما زال في مقلتي
سنا ماج فيه اتقاد الفؤاد
كما لاح في الجدول المطمئن
خيال اللظى والنجوم البعاد
فلا تزعمي أن هذا جليد
ولا تزعمي أن هذا رماد
16 / 2 / 1948
لن نفترق
هبت تغمغم سوف نفترق
روح على شفتيك تحترق
صوت كأن ضرام صاعقة
ينداح فيه وقلبي الأفق
ضاق الفضاء وغام في بصري
ضوء النجوم وحطم الألق
فعلى جفوني الشاحبات وفي
دمعي شظايا منه أو مزق
فيم الفراق؟ أليس يجمعنا
حب نظل عليه نعتنق؟
حب ترقرق في الوعود سنا
منه ورف على الخطى عبق
أختاه، صمتك ملؤه الريب؟
فيم الفراق؟ أما له سبب؟
الحزن في عينيك مرتجف
واليأس في شفتيك يضطرب
ويداك باردتان مثل غدي
وعلى جبينك خاطر شحب
ما زال سرك لا تجنحه
آه مؤججة ولا يثب
حتى ضجرت به وأسأمه
طول الثواء وآده التعب «إني أخاف عليك.» واختلجت
شفة إلى القبلات تلتهب •••
ثم انثنيت مهيضة الجلد
تتنهدين وتعصرين يدي
وترددين وأنت ذاهلة «إني أخاف عليك حزن غد»
فتكاد تنتثر النجوم أسى
في جوهن كذائب البرد
لا تتركي، لا تتركي لغدي
تعكير يومي، ما يكون غدي؟
وإذا ابتسمت اليوم من فرح
فلتعبسن ملامح الأبد
ما كان عمري قبل موعدنا
إلا السنين تدب في جسد •••
أختاه لذ على الهوى ألمي
فاستمتعي بهواك وابتسمي
هاتي اللهيب فلست أرهبه
ما كان حبك أول الحمم
ما زلت محترقا تلقفني
نار من الأوهام كالظلم
سوداء لا نور يضيء بها
كرقاد حمى دونما حلم
هي ومضة ألقى الوجود بها
جذلان يرقص عاري القدم
هاتي لهيبك إن فيه سنا
يهدي خطاي ولو إلى العدم
21 / 2 / 1948
سراب
بقايا من القافلة
تنير لها نجمة آفلة
طريق الفناء
وتؤنسها بالغناء
شفاه ظماء؛
تهاويل مرسومة في السراب
تمزق عنها النقاب
على نظرة ذاهلة
وشوق يذيب الحدود. •••
ظلال على صفحة باردة،
تحركها قبضة ماردة،
وتدفعها غنوة باكية،
إلى الهاوية.
ظلال على سلم من لهيب
رمى في الفراغ الرهيب
مراتبه البالية
وأرخى على الهاوية
قناع الوجود.
سنمضي ... ويبقى السراب
وظل الشفاه الظماء.
يهوم خلف النقاب
وتمشي الظلال البطاء
على وقع أقدامك العارية
إلى ظلمة الهاوية
وننسى على قمة السلم
هوانا ... فلا تحلمي
بأنا نعود!
27 / 3 / 1948
وداع
أريقي على ساعدي الدموع
وشدي على صدري المتعب
فهيهات ألا أجوب الظلام
بعيدا إلى ذلك الغيهب
فلا تهمسي: غاب نجم السماء
ففي الليل أكثر من كوكب •••
وهل كان حلم بغير انتهاء
وهل كان لحن بلا آخر؟
لكي تحسبي أن هذا الغرام
أبيد الرؤى خالد الحاضر
وأنا سنبقى نعد السنين
مواعيد في ظله الدائر؟ •••
على مقلتيك ارتماء عميق
وذكرى مساء تقول ارجع!
نداء بعيد الصدى كالنجوم
يراها حبيبان في مخدع!
يكاد اشتياقي يهز الحجاب
وتومي ذراعي: هيا معي! •••
سأمضي فلا تحلمي بالإياب
على وقع أقدامي النائية
ولا تتبعيني إذا ما التفت
ورائي إلى الشمعة الخابية
يرنحها في يديك النحيب
فتهتز من خلفك الرابية •••
ستنسين هذا الجبين الحزين
كما انحلت الغيمة الشاردة
وغابت كحلم وراء التلال
بعيدا سوى قطرة جامدة
ستنثرها الريح عما قليل
وتشربها التربة الباردة •••
ورب اكتئاب يسيل الغروب
على صمته الشاحب الساهم
وأغنية في سكون الطريق
تلاشت على هدأة العالم
أثارا صدى تهمس الذكريات
إذا ما انتهى همسة الحالم •••
غدا حين يبلى وراء الزجاج
كتاب عليه اسمي الذابل
وتنفض كفاك عنه الغبار
ويخلو بك المخدع القاحل
سيلقاك وجهي خلال السطور
كما يسطع الكوكب الآفل •••
إذا ما قرأن «اللقاء الأخير»
تمنيت، في غفلة هاربة
لو استرجعت قبضتاك السنين
لو استرجعت ليلة ذاهبة!
ولكن شيئا حواه الجدار
تحدى أمانيك الكاذبة •••
تلفت عن غير قصد هناك
فأبصرت بالإنتحار الخيال!
حروفا من النار، ماذا تقول؟
لقد مر ركب السنين الثقال
وقد باح تقويمهن الحزين
بأن اللقاء المرجى محال!
5 / 4 / 1948
لا تزيديه لوعة
لا تزيديه لوعة فهو يلقا
ك لينسى لديك بعض اكتئابه
قربي مقلتيك من وجهه الذا
وي تري في الشحوب سر انتحابه
وانظري في غصونه صرخة ال
يأس أشباح غابر من شبابه
لهفة تسرق الخطى بين جفني
ه وحلم يموت في أهدابه •••
واسمعيه إذا اشتكى ساعة البي
ن وخاف الرحيل يوم اللقاء
واحجبي ناظريه في صدرك المع
طار عن ذلك الرصيف المضاء
عن شراع يراه في الوهم ينسا
ب وموج يحسه في المساء
الوداع الحزين! شدي ذراعي
ك عليه، على الأسى والشقاء •••
حدثي، حدثيه عن ذلك الكو
خ وراء النخيل بين الروابي
حلم أيامه الطوال الكئيبا
ت فلا تحرميه حلم الشباب
أوهميه بأنه سوف يلقا
ك على النهر تحت ستر الضباب
وأضيئي الشموع في ذلك الكو
خ وإن كان كله من سراب •••
كلما ضج شاكيا في ذراعي
ك انتهاء الهوى صرخت انتهارا
فارتمي، أين يرتمي صدره الجي
اش حزنا وحيرة وانتظارا؟
اغضبي وادفعيه عن صدرك القا
سي وأرخي على هواه الستارا
أوصدي الباب خلفه واتركيه
مثلما كان للدجى والصحارى!
8 / 4 / 1948
عبير
عطرت أحلامي بهذا الشذى
من شعرك المسترسل الأسود
الجو من حولي ربيع حبا
من خدره النائي إلى الموعد
هذا عبير الحب فجرته
يبحث عن مجرى له في غد
نبع أثيري الخطى حالم
بالظلة الخضراء والمسند
والعاشق السكران يحصي على
ثغرك ما في الليل من فرقد
أوقدت مصباح الهوى بعدما
خبا ولولا أنت لم يوقد
هبت عليه الريح مجنونة
محلولة الشعر خضيب اليد
الزيت من هذا الشذى واللظى
من قبلة في الغيب لم تولد
تطفو على العطر خيالا فلا
ترسب إلا في الفؤاد الصدي •••
أهم أن أهتف: أنت التي
مثلتها في أمسي الأبعد
وأنت من تحلم روحي بها
على ضفاف الزمن المزبد
تسائل الموج وتومي إلى
كل شراع علها تهتدي
أهم أن أهتف لولا خطى
عابرة في الخاطر المجهد
أطياف حسناواتي استيقظت
هاتفة: يا ذكريات اشهدي؟
ما نال منا غير أسمائنا
تسخر من آماله الشرد
مكتوبة بالنار في شعره
كالصورة الخرساء في معبد
21 / 10 / 1947
عينان زرقاوان
عينان زرقاوان ين
عس فيهما لون الغدير
أرنو فينساب الخيا
ل وينصت القلب الكسير
وأغيب في نغم يذو
ب وفي غمائم من عبير
بيضاء مكسال التلو
ي تستفيق على خرير
ناء يموت وقد تثا
ءب كوكب الليل الأخير
يمضي على مهل وأس
مع همستين وأستدير
فأذوب في عينين ين
عس فيهما لون الغدير •••
حسناء، يا ظل الربي
ع، مللت أشباح الشتاء
سودا تطل من النوا
فذ كلما عبس المساء
حسناء، ما جدوى شبا
بي إن تقضى بالشقاء
عيناك، يا للكوكبي
ن الحالمين بلا انتهاء
لولاهما ما كنت أع
لم أن أضواء الرجاء
زرقاء ساجية وأن
النور من صنع النساء
هي نظرة من مقلتي
ك وبسمة تعد اللقاء
ويضيء يومي عن غدي
وتفر أشباح الشتاء •••
عيناك أم غاب ينا
م على وسائد من ظلال؟
ساج تلثم بالسكو
ن فلا حفيف ولا انثيال
إلا صدى واه يسي
ل على قياثر في الخيال
إني أحس الذكريا
ت يلفها ظل ابتهال
في مقلتيك مدى تذو
ب عليه أحلام طوال
وغفا الزمان فلا صبا
ح ولا مساء ولا زوال!
أني أضيع مع الضبا
ب سوى بقايا من سؤال
عيناك أم غاب ينا
م على وسائد من ظلال؟!
6 / 1 / 1948
في ليالي الخريف الحزين
في ليالي الخريف الحزين،
حين يطغى علي الحنين،
كالضباب الثقيل،
في زوايا الطريق،
في زوايا الطريق الطويل،
حين أخلو وهذا السكون العميق
توقد الذكريات،
بابتساماتك الشاحبات،
كل أضواء ذاك الطريق البعيد
حيث كان اللقاء. •••
في سكون المساء
هل يعود الهوى من جديد؟
عاهديني إذا عاد ... يا للعذاب!
عاهديني ... ومرت بقايا رياح
بالوريقات، في حيرة واكتئاب،
ثم تهوي حيال السراج الحزين.
انتهينا ... أما تذكرين؟
انتهينا ... وجاء الصباح
يسكب النور فوق ارتخاء الشفاه
وانحلال العناق الطويل،
أين آلام يوم الرحيل؟
أين: لا «لست أنساك»، وا حسرتاه؟ •••
في ليالي الخريف
حين أصغي، ولا شيء غير الحفيف
ناحلا كانتحاب السجين
خاف أن يوقظ النائمين،
فانتحى في الظلام،
يرقب الأنجم النائيات،
حجبتها بقايا غمام،
فاستبدت به الذكريات؛
الغناء البعيد البعيد
في ليالي الحصاد،
أوجه النسوة الجائعات ...
ثم يعلو رنين الحديد
يسلب البائس الرقاد!
في ليالي الخريف
حين أصغي وقد مات حتى الحفيف
والهواء
تعزف الأمسيات البعاد
في اكتئاب يثير البكاء،
شهرزاد
في خيالي فيطغى علي الحنين،
أين كنا؟! أما تذكرين؟
أين كنا؟! أما تذكرين المساء؟! •••
في ليالي الخريف الطوال،
آه لو تعلمين
كيف يطغى علي الأسى والملال؟!
في ضلوعي ظلام القبور السجين،
في ضلوعي يصيح الردى
بالتراب الذي كان أمي: «غدا
سوف يأتي، فلا تقلقي بالنحيب
عالم الموت، حيث السكون الرهيب!»
سوف أمضي كما جئت وا حسرتاه!
سوف أمضي ... وما زال تحت السماء
مستبدون يستنزفون الدماء،
سوف أمضي وتبقى عيون الطغاة
تستمد البريق
من جذى كل بيت حريق
والتماع الحراب
في الصحارى، ومن أعين الجائعين،
سوف أمضي ... وتبقي، فيا للعذاب!
سوف تحيين بعدي، وتستمتعين
بالهوى من جديد،
سوف أنسى وتنسين، إلا صدى
من نشيد
في شفاه الضحايا، وإلا الردى.
17 / 9 / 1948
أغنية قديمة
1
في المقهى المزدحم النائي، في ذات مساء،
وعيوني تنظر في تعب
في الأوجه، والأيدي، والأرجل، والخشب
والساعة تهزأ بالصخب.
وتدق، سمعت ظلال غناء ...
أشباح غناء
تتنهد في ألحاني، وتدور كإعصار
بال مصدور،
يتنفس في كهف هار
في الظلمة منذ عصور!
2
أغنية حب ... أصداء
تنأى ... وتذوب ... وترتجف
كشراع ناء يجلو صورته الماء
في نصف الليل ... لدى شاطئ إحدى الجزر،
وأنا أصغي ... وفؤادي يعصره الأسف:
لم يسقط ظل يد القدر
بين القلبين؟! لم أنتزع الزمن القاسي
من بين يدي وأنفاسي
يمناك؟ وكيف تركتك تبتعدين ... كما
تتلاشى الغنوة في سمعي ... نغما نغما؟!
3
آه ما أقدم هذا التسجيل الباكي
والصوت قديم؛
الصوت قديم
ما زال يولول في الحاكي.
الصوت هنا باق، أما «ذات» الصوت:
القلب الذائب إنشادا
والوجه الساهم كالأحلام، فقد عادا
شبحا في مملكة الموت -
لا شيء - هنالك في العدم .
وأنا أصغي ... وغدا سأنام عن النغم!
أصغيت ... فمثل إصغائي
لي وجه مغنية كالزهرة حسناء
يتماوج في نبرات الغنوة، كالظل
في نهر تقلقه الأنسام،
في آخر ساعات الليل،
يصحو وينام.
أأثور؟! أأصرخ بالأيام؟! وهل يجدي؟!
إنا سنموت
وسننسى، في قاع اللحد؟
حبا يحيا معنا ... ويموت!
4
ذرات غبار
تهتز وترقص، في سأم،
في الجو الجائش بالنغم،
ذرات غبار!
الحسناء المعشوقة مثل العشاق
ذرات غبار!
كم جاء على الموتى - والصوت هنا باق -
ليل ... ونهار
هل ضاقت، مثلي، بالزمن
تقويما خط على كفن،
ذرات غبار؟!
20 / 7 / 1948
ستار
1
عيناك، والنور الضئي
ل من الشموع الخابيات
والكأس، والليل المطل
من النوافذ، بالنجوم
يبحثن في عيني عن
قلب وعن حب قديم
عن حاضر خاو، وما
ض في ضباب الذكريات
ينأى، ويصغر، ثم يف
نى، إنه الصمت العميق
والباب توصده ورا
ءك في الظلام يدا صديق!
2
كالشاطئ المهجور قل
بي، لا وميض ولا شراع
في ليلة ظلماء بل
فضاءها المطر الثقيل
لا صرخة اللقيا تطي
ف به ولا صمت الرحيل
يمناك والنور الضئي
ل أكان ذاك هو الوداع؟!
باب وظل يدين تف
ترقان ثم هوى الستار
ووقفت أنظر، في الظلا
م، وسرت أنت إلى النهار!
3
في ناظريك الحالمي
ن رأيت أشباح الدموع
أنأى من النجم البعي
د، تمر في ضوء الشموع
واليأس مد على شفا
هك، وهي تهمس في اكتئاب
ظلا كما تلقي جبا
ل نائيات من جليد
أطيافهن على غدي
ر تحت أستار الضباب
لا تسألي: ماذا تري
د؟ - فلست أملك ما أريد!
4
باب وظل يدين تف
ترقان - ليتك تعلمين
أن الشموع سينطفي
ن، وأن أمطار الشتاء
بيني وبينك سوف ته
وي كالستار فتصرخين
الريح تعول عند با
بي، لست أسمع من نداء
إلا بقايا من حدي
ث رددته الذكريات
وسنان هوم كالسحا
بة في خيالي ثم مات!
5
أنا سوف أمضي، سوف أن
أى، سوف يصبح كالجماد
قلب قضيت الليل با
حثة، على الضوء الضئيل
عن ظله في مقلتي
فما رأيت سوى رماد!
أنا سوف أمضي، ربما
أنسى ، إذا سال الأصيل
بالصمت، أنك في انتظا
ري ترقبين وترقبين
أو ربما طافت بي الذ
كرى فلم تذك الحنين
6
الزورق النائي وأن
ات المجاديف الطوال
تدنو على مهل وتد
نو في انخفاض وارتفاع
حتى إذا امتدت يدا
ك إلي في شبه ابتهال
وهمست: «ها هو ذا يعو
د!» رجعت فارغة الذراع!
وأفقت في الظلماء حي
رى، لا ترين سوى النجوم
ترنو إليك من النوا
فذ في وجوم، في وجوم!
7
قد لا أءوب إليك إل
في الخيال، وقد أءوب
لا أمس في قلبي، ولا
في مقلتي هوى قديم
كفان ترتجفان حو
ل الموقد الخابي وكوب
تتراقص الأشباح في
ه وتنظرين إلى النجوم
حذر البكاء و«كيف أن
ت؟» تهز قلبك في ارتخاء - «عاد الشتاء ...» - فتهمسي
ن: «وسوف يرجع في الشتاء!»
8 / 10 / 1948
سجين
ذراعا أبي تلقيان الظلال
على روحي المستهام الغريب
ذراعا أبي والسراج الحزين
يطاردني في ارتعاش رتيب
وحفت بي الأوجه الجائعات
حيارى فيا للجدار الرهيب!
ذراعا أبي تلقيان الظلال
على روحي المستهام الغريب •••
وطال انتظاري كأن الزمان
تلاشى فلم يبق إلا انتظار!
وعيناي ملء الشمال البعيد
فيا ليتني أستطيع الفرار
وأنت التقاء الثرى بالسماء
على الآل في نائيات القفار
وطال انتظاري كأن الزمان
تلاشى فلم يبق إلا انتظار! •••
أألقاك؟ تأتي علي النجوم
وتمضي وما غير هذا السؤال
تغنيه في مسمعي الرياح
وتلقيه في ناظري الظلال
وترنو على جرسه الأمنيات
إلى ذكريات الهوى في ابتهال
أألقاك؟ تأتي علي النجوم
وتمضي وما غير هذا السؤال •••
أصيخي! أما تسمعين الرنين
تدوي به الساعة القاسية؟
أصيخي فهذا صليل القيود
وقهقهة الموت في الهاوية!
زمان ... زمان يهز النداء
فؤادي فأدعوك يا نائية
أصيخي! أما تسمعين الرنين
تدوي به الساعة القاسية؟! •••
أما تبصرين الدخان الثقيل
يجر الخطى من فم الموقد؟!
تلوى فأبصرت فيه الظهور
وقد قوستها عصا السيد
وأبصرت فيه الحجاب الكثيف
على جبهة العالم المجهد
أما تبصرين الدخان الثقيل
يجر الخطى من فم الموقد؟! •••
ولا بد من ساعة، من مكان
لروحين ما زالتا في ارتقاب!
سألقاك ، أين الزمان الثقيل
إذا ما التقينا، وأين العذاب؟!
سينهار عن مقلتيك الجدار
وتفنى ذراعا أبي كالضباب
ولا بد من ساعة من مكان
لروحين ما زالتا في ارتقاب! •••
وكيف التلاقي، وبين المنى
وإدراكهن الدخان الثقيل؟
تموج الأساطير في جانبيه
ويحبو على صدره المستحيل
ونحن الغريقان في لجه
سننسى الهوى فيه عما قليل
وكيف التلاقي، وبين المنى
وإدراكهن الدخان الثقيل؟ •••
لينهد هذا الجدار الرهيب
وتندك حتى ذراعا أبي!
أحاطت بي الأعين الجائعات:
مرايا من النار في غيهب
إذا استطعت مهربا مقلتاي
تصدى خيالان في مهربي
فأبصرت ظلين لي في الجدار
أو استوقفتني ذراعا أبي •••
سأبقى وراء الجدار البغيض
وعيناي لا تبرحان الطريق
أعد الليالي خلال الكرى
وأرعى نجوم الظلام العميق
فلا تيأسي أن تمر السنون
ويطفين في وجنتيك البريق
سأبقى وراء الجدار القديم
وعينان لا تبرحان الطريق
27 / 7 / 1947
ذكرى لقاء
قد انتصف الليل، فاطو الكتاب
عن الريح والشمعة الخابية
فعيناك لا تقرآن السطور
ولكنها العلة الواهية
فأنت ترى مقلتيها هناك
وذكرى من الليلة الماضية
فتطوي على ركبتيك الكتاب
وترنو إلى الأنجم النائية •••
هنا أنت بين الضياء الضئيل
وبين الدجى في الفضاء الرحيب
وكم من مصابيح تفنى هناك
تنير الثرى والفراغ الرهيب
مصابيح كانت تذوب
وتنحل في شعرها
خطانا ولون الغروب
وما ضاع من عطرها
وتلقي على ذكريات الشتاء
ستارا من الأدمع الراجفة
فتخبو مصابيحهن البعاد
بطيئا كما تبرد العاطفة
كما افترقت يوم حان الرحيل
يد صافحتها يد واجفة
كرجع الخطى في الطريق البعيد
كما انحلت الرغبة الخائفة •••
وتصغي ولا شيء إلا السكون
وإلا خطى الحارس المتعب
وإلا ارتعاش الضياء الضئيل
وخفق الظلال على المكتب
وأسفارك البالية
كأشباح موتى تسير
حيارى إلى الهاوية - وحلم ادكار قصير -
وتنساب مثل الشراع الكئيب
وراء الدجى روحك الشاردة
ترى وجهها كالتماع النجوم
وتطويه عنك اليد الماردة
إلى أن يذوب الضباب الثقيل
وتنهار ألوانه الجامدة
فها أنت ذا تستعيد اللقاء
كما عادت الجثة الباردة •••
وتمتد يمناك نحو الكتاب
كمن ينشد السلوة الضائعة
فتبكي مع العبقري المريض
وقد خاطب النجمة الساطعة:
تمنيت يا كوكب
ثباتا كهذا، أنام
على صدرها في الظلام
وأفنى كما تغرب
ويغشى رؤاك الضياء القديم
بطيئا، كما سارت القافلة
ترى الباب مثل انعكاس المغيب
على صفحة الجدول الناحلة
ويغشى رؤاك الضياء القديم
ينير لك الغرفة الآفلة
ويغشى رؤاك الضياء القديم
فيا لانتفاضتك الهائلة! •••
ترى الباب ألقى عليه الأصيل
ظلالا من الكرمة العارية
فما كان غير اعتناق طويل
عصرنا به القوة الباقية
وألقيت عبء السنين
ورأسي، على صدرها
فشدت عليه اليمين
وأدنته من ثغرها ...
وأيقنت أن الحياة؛ الحياة - بغير الهوى - قصة فاترة
وأني بغير التي ألهبت
خيالي بأنفاسها العاطرة
شريد يشق ازدحام الرجال
وتخنقه الأعين الساخرة
ملال
ليلان غاما بالنجو
م الآفلات على سهادي
يومان. لا وعد ولا
لقيا وتخفق يا فؤادي؟!
وغدا سيمتلئ انتظا
ري بالظلام ولا أراها
وتجول عيني في الطري
ق وتستقر على كتابي
وأكيل بالأقداح ساعا
تي وأسخر باكتئابي
وأنام أحلم بالشتا
ء وأستفيق على هواها •••
سأم ومصباح وحي
د ران في أقصى الطريق
مرت وجوه العابري
ن به فلونها قليلا
مرت وغابت في الظلا
م، وليس يبرح في حريق
سأم ونافذة يطي
ل فضاؤها الدرب الطويلا
سأم ومرآة تثا
ءب في قرارتها الوجوم
الغرفة الجوفاء وال
أقداح والباب القديم •••
بالأمس كان هوى وكا
ن وكان، ويح الذكريات «وافرحتاه أتصدقي
ن؟» وقادنا نجم المساء
في ذلك الدرب البعي
د وألف نجوى واشتكاء
تخبو وتنأى، والعنا
ق يعد أضواء الطريق
بالأمس كان هوى وكا
ن، وخيم الصمت العميق •••
دب الملال إلى فؤا
دك مثل أوراق الخريف «أهواك»؟ ماذا تهمسي
ن؟ أتلك حشرجة الحفيف
في دوحة صفراء يق
لق ظلها روح الشتاء؟!
لا تنظري! في مقلتي
ك سحابتان من الجليد
تتألقان ولا لهي
ب وتزحفان ولا فضاء
فل العناق على الجفو
ن وحطم الدرب البعيد!
3 / 5 / 1948
نهاية
سأهواك حتى تجف الأدمع في عيني، وتنهار أضلعي الواهية ...
هي
1
أضيئي لغيري فكل الدروب
سواء على المقلة الشاردة،
سأمضي إلى مجهل لا أءوب
فإن عادت الجثة الباردة،
فألقي على الأعين الخاويات
طيب السماء.
لعل الرؤى الخابيات
إذا مس أطرافهن الضياء،
يخبرن عن ذلك المجهل:
عن الريح والغاب والجدول
أضيئي لها يا نجوم!
2 «سأهواك حتى ...» نداء بعيد
تلاشت على قهقهات الزمان
بقاياه. في ظلمة، في مكان،
وظل الصدى في خيالي يعيد: «سأهواك حتى سأهوى» نواح
كما أعولت في الظلام الرياح، «سأهواك حتى ... س...» يا للصدى
أصيخي إلى الساعة النائية: «سأهواك حتى ...» بقايا رنين
تحدين دقاتها العاتية،
تحدين حتى الغدا، «سأهواك» ما أكذب العاشقين! «سأهوا...» نعم ... تصدقين.
3
ظلام وتحت الظلام المخيف
ذراعان تستقبلان الفضاء
أبعد اصفرار الخريف
تريدين ألا يجيء الشتاء؟
لقاء وأين الهوى يا لقاء؟!
عويل من القرية النائية،
وشيح ينادى فتاة الغريق،
بهذا الطريق وذاك الطريق،
ويمشي إلى الضفة الخالية
يسائل عنه المياه،
ويصرخ بالنهر ... يدعو فتاه،
ومصباحه الشاحب
يغني «سدى» زيته الناضب «محال يراه!»
ويحنو على الصفحة القاتمة
يحدق في لهفة عارمة،
فما صادفت مقلتاه
سوى وجهه المكفهر الحزين
ترجرجه رعشة في المياه
تغمغم «لا لن تراه.»
4
أحقا نسيت اللقاء الأخير
أحقا نسيت اللقاء ...؟
أكان الهوى حلم صيف قصير
خبا في جليد الشتاء؟
خبا في جليد
وظل الصدى في خيالي يعيد: «خبا في جليد ... خبا في جليد.»
ويا رب حلم يهيل الزمان
عليه الرؤى والسنين الثقال
فتمضي ويبقى شحوب الهلال
يلون بالأرجوان
شحوب النجوم وصمت القمر،
ويومض في كل حلم جديد،
شحوب الهلال وظل الشجر
وطيف الشراع البعيد؟
26 / 5 / 1948
في القرية الظلماء
1
الكوكب الوسنان يطفئ ناره خلف التلال،
والجدول الهدار يسبره الظلام
إلا وميضا، لا يزال
يطفو ويرسب مثل عين لا تنام،
ألقى به النجم البعيد
يا قلب ما لك، لست تهدأ ساعة؟ ماذا تريد؟
النجم غاب وسوف يشرق من جديد، بعد حين،
والجدول الهدار هينم ثم نام،
أما الغرام، دع التشوق يا فؤادي والحنين!
2
أأظل أذكرها ... وتنساني؟
وأبيت في شبه احتضار، وهي تنعم بالرقاد؟
شعت عيون حبيبها الثاني
في ناظريها المسبلين على الرؤى، أما فؤادي
فيظل يهمس، في ضلوعي،
باسم التي خانت هواي ... يظل يهمس في خشوع.
إني سأغفو ... بعد حين سوف أحلم في البحار:
هاتيك أضواء المرافئ وهي تلمع من بعيد ...
تلك المرافئ في انتظار ...
تتحرق الأضواء فيها ... مثل أصداء تبيد.
3
القرية الظلماء خاوية المعابر والدروب،
تتجاوب الأصداء فيها مثل أيام الخريف
جوفاء ... في بطء تذوب،
واستيقظ الموتى ... هناك على التلال، على التلال
الريح تعول في الحقول، وينصتون إلى الحفيف.
يتطلعون إلى الهلال
في آخر الليل الثقيل ... ويرجعون إلى القبور
يتساءلون متى النشور!
والآن تقرع في المدينة ساعة البرج الوحيد.
لكنني في القرية الظلماء ... في الغاب البعيد.
4
دعها تحب سواي، تقضي في ذراعيه النهار
وتراه في الأحلام يعبس أو يحدث عن هواه،
فغدا سيهوي ساعداه
مثل الجليد، على خطوط باهتات، في إطار،
وعلى الرفوف الشاحبات رسائل
عادت تلف، على نسيج العنكبوت، بها الوعود
والريح تهمس: لن يعود،
ويلون المرآة ظل من سراج ذابل،
وحياله امرأة تحدق في كتاب
بال، وتبسم في اكتئاب.
5
الكوكب الوسنان يطفئ ناره خلف التلال.
والجدول الهدار يسبره الظلام
إلا وميضا، لا يزال
يطفو ويرسب مثل عين لا تنام؛
ألقى به النجم البعيد.
يا قلب، مالك في اكتئاب، لست تعرف ما تريد؟!
20 / 6 / 1948
لقاء ولقاء
لست أنت التي بها تحلم الرو
ح، ولست التي أغني هواها
كان حب يشد حولي ذراعي
ك، ويدني من الشفاه الشفاها
واشتياق كأنما يسرق الرو
ح، فما في العيون إلا صداها!
وانتهينا، فقلت «إني سأنسا
ه» وغمغمت: «سوف ألقى سواها» •••
أمس طال اللقاء حتى تثاءب
ت، وشاهدت في يديك الملالا
في ارتخاء النسيج تطويه يمنا
ك وعيناك ترمقان الشمالا
في الغياب الطويل، والمقعد المه
جور ترمي يدي عليه الظلالا
في الشفاه البطاء تدنو من الكو
ب وترتد ثم تلقي سؤالا •••
التقينا، أهكذا يلتقي العشا
ق؟ أم نحن وحدنا البائسان؟
لا ذراعان في انتظاري على البا
ب، ولا خافق يعد الثواني
في انتظاري، ولا فم يعصر الأز
مان في قبلة، ولا مقلتان
تسرقان الطريق والدمع من عي
ني، والداء والأسى من كياني •••
قد سئمت اللقاء في غرفة أغ
ضى على بابها اكتئاب الغروب
الضياء الكسول، والمزهريا
ت تراءى بهن خفق اللهيب
كالجناح الثقيل في دوحة صف
راء في ضفة الغدير الكئيب •••
واحتشاد الوجوه مثل التماثي
ل احتواهن معبد مهجور
سمرت قبلة التلاقي على ثغ
ري فعادت كما يطل الأسير
من كوى سجنه إلى بيته النا
ئي، كما يخفق الجناح الكسير
للغدير البعيد، كالموجة الزر
قاء جاشت فحطمتها الصخور! •••
عز حتى الحديث بين الأحادي
ث، وحتى التقاؤنا بالعيون
في فؤادي الشقي مثل الأعاصي
ر، وفي ساعدي مثل الجنون
التقينا؟ أكان شوقي للقيا
ك اشتياقا إلى الضياء الحزين
واحتشاد الوجوه في الغرفة الجو
فاء، والشاي والخطى واللحون •••
الخطى واللحون، من فجوة البا
ب تسللن والضياء الضئيلا
والأزاهير تشرب النور في بط
ء ويعكسنه ابتساما ذليلا
كابتساماتي الحيارى وإطرا
قي برأسي وقد ذكرت الحقولا
والغناء الطروب، والمعبر المغ
مور بالنور والشذى، والنخيلا •••
لست أنت التي بها تحلم الرو
ح، ولكنه الغرام المضاع
الخطى العابرات في النور والأن
داء، والشط والضحى والشراع
التقينا: يد تمد إلى أخ
رى، وللنور في الشفاه التماع
ترقص القبلة المرجاة فيه
ثم يدنو فم وتطوى ذراع! •••
لست أنت التي بها تحلم الرو
ح، ولكنه انتظار اللقاء
انتظار التي بها تحلم الرو
ح إذا لفها اكتئاب المساء
واستبد الحنين، وانثالت ال
أصداء من كل ضفة قمراء
لا تراها العيون، في عالم نا
ء، ومن كل باب كوخ مضاء •••
إنها الآن في انتظاري، تجيل الط
رف حيرى، على امتداد الطريق
والمساء الكئيب قد ماج بالأص
داء تنساب من مكان سحيق «اتبعينا فإن في الشاطئ النا
ئي شراعا يهيم بالتصفيق
والحبيب المجهول ناداك، وامتد
ت ذراعاه في انتظار عميق»
14 / 12 / 1948
هل كان حبا؟
هل تسمين الذي ألقى هياما؟
أم جنونا بالأماني؟ أم غراما؟
ما يكون الحب؟ نوحا وابتساما؟
أم خفوق الأضلع الحرى إذا حان التلاقي
بين عينينا، فأطرقت، فرارا باشتياقي
عن سماء ليس تسقيني، إذا ما
جئتها مستسقيا إلا أواما. •••
العيون الحور، لو أصبحن ظلا في شرابي
جفت الأقداح في أيدي صحابي
دون أن يحضين حتى بالحباب.
هيئي يا كأس، من حافاتك السكرى، مكانا
تتلاقى فيه، يوما، شفتانا
في خفوق والتهاب
وابتعاد شاع في آفاقه ظل اقتراب. •••
كم تمنى قلبي المكلوم لو لم تستجيبي
من بعيد للهوى، أو من قريب،
آه لو لم تعرفي، قبل التلاقي، من حبيب!
أي ثغر مس هاتيك الشفاها
ساكبا شكواه آها ثم آها؟
غير أني جاهل معنى سؤالي عن هواها:
أهو شيء من هواها يا هواها؟ •••
أحسد الضوء الطروبا
موشكا، مما يلاقي، أن يذوبا
في رباط أوسع الشعر التثاما،
السماء البكر من ألوانه آنا، وآنا
لا ينيل الطرف إلا أرجوانا.
ليت قلبي لمحة من ذلك الضوء السجين،
أهو حب، كل هذا؟! خبريني.
29 / 11 / 1946
الموعد الثالث
فر النهار من البيو
ت النائيات، إلى السحاب
من شرفة زرقاء تح
لم بالكواكب والضباب
من مقلتين على الطري
ق، ومقلتين على كتاب •••
الدرب تحرقه النوا
فذ والنجوم المستسرة
سكران تزحمه الظلا
ل وتشرب الأوهام خمره
هيهات، لا تأتي وته
مس: «فيم تأتي؟» شبه فكرة •••
قد أذكرتني مقلتا
ك رؤى رسبن إلى الظلام
زرقاء تسبح في ضبا
ب من شحوب وابتسام
الليلة القمراء تر
كض بين أشباح الغمام •••
أفق يذوب على الحني
ن، يكاد يغرق في صفائه
يطويه ظل من جنا
ح، ضاع فيه صدى غنائه
أهدابك السوداء تح
ملني، فأومض في انطفائه •••
من أنت؟! سوف تمر أي
امي وأنسجها ستارا
هيهات تحرقه شفا
هك وهي تستعر استعارا
لا تلمسيه فأنت ظل
ليس يخترق القرارا •••
مات الفضاء، سوى بقا
يا من مصابيح الطريق
مبهورة الأضواء، تن
ضب في جداول من بريق
صفراء تخنقها الظلا
ل على فم الليل العميق •••
فيم انتظاري كالفرا
غ؟ وفيم يأسي كالرماد؟
لن يسمع الدرب الملو
ل - وإن أصاخ - سوى فؤادي
أما فؤادك، ويح نف
سي! أين أنت؟ ومن أنادي؟
في أخريات الربيع
يا ضياء الحقول، يا غنوة الف
لاح في الساجيات من أسحاره
أقبلي؛ فالربيع ما زال في الوا
دي، فبلي صداك قبل احتضاره
لا تصيب العيون إلا بقايا
ه، وغير الشرود من آثاره
دوحة عند جدول تنفض الأف
ياء عنها وترتمي في قراره
وعلى كل ملعب زهرة غي
ناء فرت إليه من أياره •••
في المساء الكئيب، والمعبر المه
جور، والعابسات من أحجاره
مصغيات، تكاد من شدة الإص
غاء أن توهم المدى بانفجاره
أرمق الدرب، كلما هبت الري
ح وحف العتيق من أشجاره
كلما أذهل الربى نوح فلا
ح يبث النجوم شكوى نهاره
صاح: «يا ليل» فاستفاق الصدى الغا
في على السفح والذي في جواره
فإذا كل ربوة رجع «يا لي
ل» ونام الصدى على قيثاره!
أين منهن خفق أقدامك البي
ضاء بين الحشيش فوق اخضراره
مثل نجمين أفلتا من مداري
ن فجال الضياء في غير داره
أو فراشين أبيضين استفاقا
يسرقان الرحيق من خماره! •••
أنت في كل ظلمة موعد وس
نان، ما زال يومه في انتظاره
ديوان شعر
إلى مستعيرات ديوان شعري
ديوان شعر ملؤه غزل
بين العذارى بات ينتقل
أنفاسي الحرى تهيم على
صفحاته والحب والأمل
وستلتقي أنفاسهن بها
وترف في جنباته القبل
ديوان شعر ملؤه غزل
بين العذارى بات ينتقل
وإذا رأين النوح والشكوى
كل تقول: من التي يهوى؟
وسترتمي نظراتهن على الص
فحات، بين سطوره، نشوى
ولسوف ترتج النهود أسى
ويثيرها ما فيه من نجوى
ولربما قرأته فاتنتي
فمضت تقول: من التي يهوى؟
ديوان شعري، رب عذراء
أذكرتها بحبيبها النائي
فتحسست شفة مقبلة
وشتيت أنفاس وأصداء
فطوتك فوق نهودها بيد
واسترسلت في شبه إغفاء
ديوان شعري رب عذراء
أذكرتها بحبيبها النائي
يا ليتني أصبحت ديواني
لأفر من صدر إلى ثان
قد بت من حسد أقول له:
يا ليت من تهواك تهواني
ألك الكئوس ولي ثمالتها
ولك الخلود، وإنني فان؟
يا ليتني أصبحت ديواني
لأفر من صدر إلى ثان
سأبيت في نوح وتسهيد
وتبيت تحت وسائد الغيد
أولست مني؟ إنني نكد
ما بال حظك غير منكود؟
زاحمت قلبي في محبته
وخرجت منها غير معمود
أأبيت في نوح وتسهيد
وتبيت تحت وسائد الغيد؟
26 / 3 / 1944
نهر العذارى
يا نهر، لولا منحنا
ك وما يشابك من فروع
ما كانت البسمات في
عيني تطفأ بالدموع •••
حجبت، بالشأو البعي
د تسد بابيه الظلال
وجها تلاقى في محي
اه الوداعة والجمال
مرآتك الخضراء من
ذ جلوتها تحت السماء
ما لاح فيها مثل ذا
ك الوجه في ذاك الصفاء •••
إن أوقد الليل العمي
ق نجومه في جانبيك
لماحة الأضواء تغ
مر بالأشعة ضفتيك •••
ناشدت ألحاظ الكوا
كب وهي تخترق الظلام
ألا ينمن - وإن تشه
ين الكرى - حتى تنام ••• «أنتن أسعد ما أظل
الكون يا زهر النجوم
أنتن أبصرتن ذا
ك الوجه في الليل البهيم!» •••
حتى إذا ما رنح الن
جم الأخير سنا الصباح
فانقض تحت القبة الز
رقاء مقصوص الجناح •••
أصبحت فوق المعبر ال
مهجور أرقب منحناك
فأبوح بالشكوى وتس
كت عن شكاتي ضفتاك •••
الفتنة السمراء تس
رقها مياهك بعد حين
الشعر، والعينين والث
غر المنضر والجبين •••
فإذا الهجيرة أطلقت
ها زرقة الأفق البعيد
فالظل مقصوص الجنا
ح يفر من عود لعود •••
سارت إليك بطيئة ال
خطوات ذابلة الشفاه
جاءتك ظمأى بالبنا
ن الرخص تغترف المياه •••
كم عدت مخمور الفؤا
د بموعد المد القريب
جذلان أقتحم الظهي
رة بالتطلع والوثوب •••
التوت فوق الشاطئ ال
غربي، والسعف الصموت
لا يجهلان تنهدا
تي، وهي بينهما تموت •••
والغاب ساعتي الحبي
بة من ظلال عقرباها
كم أنبآني أن طر
في بعد حين قد يراها •••
واليوم يسقي مدك ال
عاتي أواخر كل جزر
لا ذاك يجلوها، ولا
هذا بما أرجوه يجري •••
واليوم إن سكر الخري
ر وعاد يحتضن الجرارا!
لم ألق عذرائي فكي
ف الصبر يا نهر العذارى؟!
28 / 4 / 1946
صفحه نامشخص