وما دارنا إلاّ موات لو أننا ... نفكر والأخرى هي الحيوانُ
شربنا بها عزًا بهمنٍ جهالةً ... وشتان عزٌ للفتى وهوانُ
وحق لمن علم تقلبات الدهر بأهله وتصرفاته، أن يستعمل ما بقى من عمره فيما يوصله إلى منازل النعيم المقيم وغرفاته:
للدهر قوس لا تزال سهامها ... تصمى الأنام أصاغرًا وأكابرا
طوبى لمن هجر القبيح ولم يكن ... إلاّ على فعل الجميل مثابرا
جعلنا الله ممن ثابر على فعل الجميل، وبلغ من خير الدارين غاية التأمل.
وين ورد علي هذا الخطاب الذي تقدم، وألفى ركن الاصطبار كاد يتهدم أو تهدم؛ أضربت عن جوابه حينا من الدهر، وما طلت مقتضى دينه من يوم إلى يوم، ومن شهر إلى شهر؛ والأرض تميد اضطرابا واختلالا، والأحوال تزيد دنفا واعتلالا؛ وأنا أحوم على مناهل الجواب حوما، وأروم الورود في مشاربها العذبة يوما فيوما؛ والأيام لا تسمح بنهله، ولا تفسح إليها فسحة ولا توسعها مهله؛ ثم وقع العزم والتصميم على جواب هذا السائل، راجيا من الله سبحانه أن يكون ذلك من أفضل القرب وأعظم الوسائل؛ ودخلت من هذا الباب بعد أن قرعت، وأخذت في هذا الغرض وشرعت، وشربت من ماء التصنيف وكرعت، وبذرت في أرض التأليف وزرعت، هذا مع إني ما مهرت ولا برعت؛ ولا أتقنت لصناعة التأليف عملا:
لكن قدرة مثلي غير خلفية ... والنمل يعذر في القدر الذي حملا
وكثيرا ما خرجت من الشيء إلى ما يناسبه ويدانيه؛ وربما أبعت
1 / 15