ثريا :
وتضحكين!
أمينة :
لقد قالت لي «علية» إنك في الصالون، وهذا طبيعي، فلو كنت خرجت لقابلك سامي، أيها المغفلان، إن كلا منكما يحب الآخر، وتلك هي السعادة، إن السعادة تصنعانها بأيديكما، ولكن الحب يصنعه الله، عيشا معا، وليظهر كل منكما حبه للآخر فتلك هي السعادة، إن الحب لا يوجد إلا مرة واحدة، ولكن السعادة تجيء وتذهب، إن لحظة سعيدة بين حبيبين هي الحياة، هي الدنيا، هي كل شيء، الحب (يقترب كل من الزوجين إلى الآخر) .
الحب سيخلق لكما السعادة التي تنشدانها (ويتعانق الزوجان)
عيشا، عيشا، عيشا، فإنه الحب. (ستار)
الطابق الأعلى
دس عبد الله أفندي يده في جيب صديريه وأخرج الساعة المعدنية «اللونجين» التي لا تخل دقيقة واحدة، فوجد عقاربها تشير إلى الثانية من بعد الظهر فرفع الطربوش عن رأسه في احتراس شديد، وأخذ ينفخ فيه بكل قوته، ومسح أركانه بكمه ثم أعاد الطربوش إلى رأسه، وثبته في مكانه معتدلا قائما لا يميل يمنة ولا يسرة، ثم أمسك عبد الله أفندي بتلابيب نفسه، وأخذ ينفض «جاكتته» في قوة عنيفة، ثم نظف كميه كلا منهما بالآخر، ونظر إلى «الدوسيهات» القائمة أمامه فأخذ يرتبها في عناية شديدة، وجمع الأوراق التي كانت أمامه ووضعها في الدرج الأعلى من يمين المكتب؛ فإنها الأوراق التي سيعمل فيها في صباح الغد، ثم جمع أوراقا أخرى ووضعها في الدرج الأعلى من يسار المكتب؛ فإنها الأوراق التي تم إنجازها وستأخذ سبيلها في الغد إلى رئيس القلم. وقام عبد الله أفندي بعد ذلك، وزرر جاكتته، وأمسك بأطرافها فجذبها إلى أسفل وأخذ طريقه إلى باب الغرفة في مشية متزنة لا هي بالبطيئة، ولا هي بالسريعة، وإنما هي مشية ذات خطوات مرسومة محسوبة لا تخطئ ولا تخل، فإن عبد الله أفندي رجل دقيق لا يخطئ ولا يخل.
وخرج عبد الله أفندي من الوزارة وجهته محطة الترام، وكان مشغول الفكر إذ ذاك بهذه الدروس التي عليه أن يؤديها في يومه هذا، وكان ضيق النفس غاية الضيق بهذه الدروس التي يعطيها لصغار التلاميذ. وكان في ذلك اليوم أشد ضيقا من كل الأيام السابقة فإنه يفكر في عمره الذي سرقته معه هذه الدروس والذي انتهبته منه هذه الذرية التي توالت عليه منذ تزوج حتى عامه الفائت، ستة عشر عاما هي شبابه، ضاعت كلها في إعطاء الدروس، ثم في إنفاق أجور هذه الدروس على الدروس التي يتلقاها أولاده هو، وهكذا أصبحت حياته كلها دروسا في دروس، دروس تهب المال ودروس تتخطف المال، وهو بين الأخذ والإعطاء آلة حاسبة دقيقة كل الدقة، ولكنها أيضا آلة ذات آمال وشباب، فهي آلة حزينة كل الحزن!
وهكذا أصبح عبد الله أفندي صارما في حياته لا يطيق فيها لهوا ولا لعبا، وهكذا أخذ نفسه بالدقة البالغة، لا يبتسم إلا بمقدار، ولا يضحك إلا عند الضرورة الملحة، ولا تكون هذه الضرورة إلا عندما يلقي رئيسه في الديوان نكتة على مرأى منه أو مسمع!
صفحه نامشخص