لم تنهض، وإنما زحفت، مثل الدودة، عابرة الأرض إلى قدميه مباشرة. وقد صنع جسدها خطا عريضا في الأرض المغبرة. استلقت منبطحة أمامه، وجهها مختبئ، وذراعاها ممدودان، كأنها أمام مذبح أحد الآلهة.
قالت بنشيج: «سيدي، سيدي، هلا غفرت لي؟ هذه المرة، هذه المرة فقط! فلترد ما هلا ماي. سوف أكون أمتك، بل أدنى من أمتك. أي شيء أفضل من أن تطردني.»
كانت قد لفت ذراعيها حول كاحليه، وراحت تقبل أصابع قدميه فعليا. وقف هو ينظر إليها واضعا يديه في جيوبه، عاجزا. دخلت فلو الحجرة تتهادى، وسارت إلى حيث كانت ما هلا ماي مستلقية وجعلت تتشمم إزارها. وهزت ذيلها قليلا لتعرفها على الرائحة. لم يستطع فلوري الصبر. فانحنى وأمسك ما هلا ماي من منكبيها، ورفعها إلى ركبتيها.
قال : «فلتنهضي حالا. يؤلمني أن أراك هكذا. سوف أفعل ما بوسعي من أجلك. فما فائدة البكاء؟»
في الحال هتفت وقد تجدد لها الأمل: «هل ستردني إذن؟ فلترد ما هلا ماي يا سيدي! لن يعلم أحد أبدا. سأبقى هنا وحين تأتي السيدة البيضاء تلك، ستعتقد أنني زوجة أحد الخدم. هلا رددتني؟»
قال متوليا عنها مرة أخرى: «لا أستطيع. هذا مستحيل.»
سمعت الحسم في نبرته، فأطلقت صرخة حادة قبيحة. وانبطحت مستلقية مرة أخرى، وراحت تضرب الأرض بجبهتها. كان الأمر بشعا. لكن ما كان أكثر بشاعة من كل ذلك، الألم الذي أوجع صدره، هو الوضاعة المطلقة، ودناءة المشاعر الكامنة وراء تلك التوسلات. فلم يكن في هذا كله شرارة حب له. إذا كانت تبكي وتتذلل فقد كان فقط من أجل الوضع الذي تمتعت به وهي عشيقته، والحياة الخاملة، والملابس الغالية، والسيادة على الخدم. وكان في ذلك شيء مثير للشفقة لدرجة تعجز الكلمات عن وصفها. لو كانت تحبه لكان استطاع صرفها شاعرا بذنب أقل كثيرا. فلا توجد أحزان في مرارة تلك الخالية من أي كرامة. انحنى ورفعها إلى ذراعيه.
وقال لها: «اسمعيني يا ما هلا ماي، إنني لا أكرهك؛ فلم تسيئي إلي. أنا الذي أسأت إليك. لكن لا مناص من ذلك الآن. لا بد أن تعودي لدارك، وسوف أرسل إليك مالا لاحقا. إذا أردت فلتنشئي متجرا في البازار. إنك صغيرة. لن تهتمي للأمر حين يصير معك مال وستستطيعين العثور على زوج.»
رفعت صوتها بالبكاء مرة أخرى قائلة: «لقد قضي علي! سوف أقتل نفسي. سأقفز في النهر من على المرسى. كيف يمكنني العيش بعد هذا العار؟»
كان يضمها، يكاد يربت عليها، وكانت هي متشبثة به بشدة، وقد دست وجهها في قميصه، وارتجف جسدها بالنشيج. سرت رائحة الصندل إلى منخاريه. ربما كانت تعتقد حتى في هذه اللحظة أن باستطاعتها استعادة سيطرتها عليه وهي تطوقه بذراعيها وجسدها لصيق جسده. خلص فلوري نفسه منها برفق، ولما رأى أنها لن تخر على ركبتيها، وقف مبتعدا عنها. «حسبك هذا. لا بد أن ترحلي حالا. وانظري، سأعطيك الخمسين روبية التي وعدتك بها.»
صفحه نامشخص