تصاعدت ضجة أصوات على مسافة قريبة. قال فلوري: «اقتربنا جدا من البازار. أعتقد أن السوق تنصب هذا الصباح. في مشاهدتها بعض المتعة.»
طلب منها أن تأتي معه إلى البازار، قائلا إنها ستجد متعة في مشاهدته. ثم انعطفا مع الطريق. كان البازار عبارة عن مكان مسيج مثل حظيرة كبيرة جدا للماشية، أحاط بحدوده أكشاك خفيضة، أغلبها مسقفة بجريد النخل. وراء السياج، ماج حشد من الناس، يتدافعون ويتصايحون؛ وقد بدت ملابسهم متعددة الألوان في اختلاطها كأنها مجموعة من قطع السكاكر الدقيقة الملونة انسكبت من مرطبان. ولاح للعيان من وراء البازار النهر المترامي الموحل، الذي كانت تتسابق فيه فروع الأشجار وسلاسل طويلة من الغثاء بسرعة سبعة أميال في الساعة. وعند ضفة النهر لدى أنابيب الرسو، راح يهتز أسطول من الزوارق، بمجاديف حادة مثل مناقير الطير رسم عليها عيون.
ظل فلوري وإليزابيث لحظة يشاهدان. مرت صفوف من النساء حملن على رءوسهن سلال الخضر، وأطفال اتسعت عيونهم وهم يحملقون في الأوروبيين. وعدا عجوز صيني يرتدي بدلة عمل حال لونها إلى الأزرق السماوي، يحمل برفق جزءا مجهولا ملطخا بالدماء من أمعاء خنزير.
قال فلوري: «هلا ذهبنا وتفقدنا الأكشاك قليلا؟» «هل من الملائم الذهاب وسط الزحام؟ فكل شيء قذر بشكل بشع.» «لا بأس، سوف يفسحون لنا الطريق. سيثير الأمر اهتمامك.»
اتبعته إليزابيث مرتابة، بل ومرغمة. لماذا دائما ما يأتي بها إلى هذه الأماكن؟ لماذا يدفعها دوما وسط «أهل البلد»، محاولا أن يجعلها تنشغل بهم وتشاهد عاداتهم القذرة المقززة؟ كان هذا خطأ تماما، لسبب ما. لكنها اتبعته، لعدم شعورها بالقدرة على تبرير إحجامها. في الحال استقبلتهما موجة من الهواء الخانق؛ فقد فاحت رائحة ثوم وسمك مجفف وعرق وغبار ويانسون وقرنفل وكركم. وتدافع الجمهور حولهم، حشود من فلاحين قصار القامة ممتلئي الأجسام بوجوه في سمرة السيجار، وشيوخ ذابلين بشعور رمادية عقصت للخلف في كعكات، وأمهات شابات يحملن أطفالا عرايا منفرجي الساقين فوق خصورهن. وقد داست الأقدام فلو فجعلت تنبح. واصطدمت بإليزابيث مناكب منخفضة قوية؛ إذ انهمك الفلاحون في الفصال لدرجة الانشغال عن التحديق في امرأة بيضاء، وهما يشقان طريقهما بصعوبة حول الأكشاك. «انظري!» كان فلوري يشير بعصاه إلى كشك، ويقول شيئا، لكن طغى على صوته صيحات اثنتين من النساء كانت تلوح كل منهما للأخرى بقبضتها فوق سلة أناناس. كانت إليزابيث قد جفلت من الرائحة الكريهة والضجيج، لكنه لم يلحظ ذلك، وتوغل بها أكثر في الزحام، مشيرا إلى الأكشاك المختلفة. بدت البضائع غريبة الشكل وعجيبة ورديئة. كان هناك ثمرات بوملي [نوع من الحمضيات] ضخمة متدلية من حبال كأنها أقمار خضراء، وموز أحمر، وسلال قريدس قرمزي في حجم الكركند، وحزم من سمك مجفف هش، وفلفل حار قرمزي، وبط مشقوق ومعالج مثل لحم الخنزير المقدد، وجوز هند أخضر، وقطع من قصب السكر، وسكاكين، وصنادل مطلية، وأزر حرير بنقوش مربعة، ومقويات جنسية في شكل أقراص كبيرة مثل الصابون، وجرات من الفخار المطلي طولها أربع أقدام، وسكاكر صينية مصنوعة من الثوم والسكر، وسيجار أخضر وأبيض، وباذنجان أورجواني، وقلادات من بذور البرسيمون، ودجاج يسقسق في أقفاص من الخوص، وتماثيل من النحاس لبوذا، وأوراق من شجر التين المجوسي على شكل قلب، وزجاجات ملح إنجليزي، ووصلات شعر مستعار، وأواني طهي من الفخار الأحمر، وحدوات صلب للثيران، وعرائس ماريونيت من الورق المعجون، وقطع ذات خواص سحرية من جلود التماسيح. كانت رأس إليزابيث بدأت تدور. في الطرف الآخر من البازار، سطعت الشمس من خلال مظلة حمراء كالدم لأحد القساوسة، كأنها تسطع من خلال أذن عملاق. كان أربع من النساء الدرافيديات يطحن الكركم بعصي ثقيلة في هاون من الخشب أمام أحد الأكشاك. طار المسحوق الأصفر حاد الرائحة، وداعب منخري إليزابيث فجعلها تسعل. شعرت أنها لا تستطيع الصبر لحظة أخرى في هذا المكان، فلمست ذراع فلوري. «هذا الزحام ... الحر فظيع. هل تعتقد أن باستطاعتنا أن نحتمي بالظل؟»
هنا استدار فلوري، الذي كان في الحقيقة منهمكا جدا في الكلام - كلام أغلبه غير مسموع في الجلبة - حتى إنه لم يلحظ كيف كان تأثير الحر والرائحة عليها. «أوه، إنني آسف. هيا نخرج من هنا في الحال. لدي فكرة، سنذهب إلى متجر لي ييك العجوز؛ إنه بقال صيني، وسوف يأتي إلينا بأي شراب. فالجو هنا خانق بعض الشيء.» «كل هذه التوابل ... كأنها تحبس الأنفاس. وما تلك الرائحة المريعة الشبيهة بالسمك؟» «إنه نوع من الصلصة يعدونه من القريدس. فهم يدفنونه ثم يستخرجونه بعدها بعدة أسابيع.» «يا له من شيء في غاية الفظاعة!» «بل مفيد للغاية على ما أعتقد.» ثم أردف قائلا لفلو، التي دست أنفها في سلة بها سمك صغير شبيه بالقوبيون لديه حسك في خياشيمه: «ابتعدي عن ذلك!»
كان متجر لي ييك يواجه نهاية السوق. ما أرادته إليزابيث حقا هو العودة إلى النادي، لكن المظهر الأوروبي لواجهة متجر لي ييك - التي كانت مكدسة بقمصان قطنية صنعت في لانكاشاير وساعات ألمانية رخيصة لدرجة لا يصدقها عقل - بثت فيها بعضا من الطمأنينة بعد الهمجية التي كانت في البازار. كانا على وشك ارتقاء السلم حين انفصل عن الزحام وتبعهما شاب نحيل في العشرين شنيع الملبس ارتدى إزارا وسترة رياضية زرقاء وحذاء أصفر زاهيا، وفرق شعره ودهنه «على الموضة الإنجاليكية.» وقد حيا فلوري بحركة صغيرة مرتبكة كأنه كان يحاول أن يمنع نفسه من الانحناء.
قال فلوري: «ما الأمر؟»
أخرج ظرفا متسخا وقال: «خطاب يا سيدي.»
قال فلوري لإليزابيث، وهو يفتح الظرف: «هلا سمحت لي؟» كان خطابا من ما هلا ماي - أو بالأحرى، كتب لها ووقعته بصليب - وكان يطالب بخمسين روبية، بأسلوب تهديد مستتر.
صفحه نامشخص