قام السيد ماكجريجور بحركة عصبية بقبضته، كأنه يدق مسمار، وهتف، متلفظا بأول سباب له منذ عدة سنوات: «اذهب يا ابن الكلب!»
تعالى هدير مدو من الطريق، وانهمرت الحجارة بغزارة، حتى أصابت الكل، وفيهم البورميون الواقفون في الممشى. أصابت إحدى الأحجار السيد ماكجريجور مباشرة، حتى إنها كادت توقعه. فر الأوروبيون إلى الداخل سريعا وأوصدوا الباب. تهشمت نظارة السيد ماكجريجور وتدفق الدم من أنفه. حين عادوا إلى قاعة الجلوس وجدوا السيدة لاكرستين متشنجة على إحدى الأرائك مثل حية في حالة هيستيرية، والسيد لاكرستين واقفا في حيرة في وسط الحجرة، حاملا زجاجة فارغة، والساقي جاثيا في الزاوية، يؤدي علامة الصليب (فقد كان روميا كاثوليكيا)، والغلمان يبكون، وإليزابيث وحدها هادئة، مع أنها كانت شاحبة جدا.
هتفت حين رأتهم قائلة: «ماذا حدث؟»
فقال إليس بغضب، وهو يتحسس قفاه حيث أصابه أحد الأحجار: «إننا في مأزق، هذا ما حدث! البورميون يحيطون بنا من كل ناحية، يقذفوننا بالصخور. لكن الزموا الهدوء! فليس لديهم الشجاعة لاختراق الأبواب.»
قال السيد ماكجريجور بألفاظ غير واضحة؛ لأنه كان يوقف نزيف أنفه بمنديله: «استدع الشرطة في الحال!»
قال إليس: «غير ممكن! لقد نظرت في الأنحاء حين كنت تتحدث إليهم. لقد حاصرونا، محق الله أرواحهم اللعينة! لا يمكن لأحد أن يصل إلى صفوف الشرطة على الإطلاق. مقر فيراسوامي مليء بالرجال.» «لا بد أن ننتظر إذن. يمكننا أن نأمل أن يدبروا من تلقاء أنفسهم. فلتهدئي يا عزيزتي السيدة لاكرستين. أرجوكي أن تتمالكي أعصابك! الخطر هين جدا.»
لم يبد الخطر هينا، فلم يعد الضجيج يتوقف، وبدا أن البورميين كانوا يتوافدون على المجمع بالمئات. وعلا الصخب بغتة حتى لم يعد من الممكن سماع صوت أحد إلا بالصياح. أغلقت كل النوافذ التي في قاعة الجلوس، ووضعت بعض المصاريع الزنك الداخلية ذات الثقوب، التي كانت تستخدم أحيانا لإبعاد الحشرات، وأوصدت. توالت سلسلة من أصوات التكسير؛ إذ تحطمت النوافذ، ثم انهالت الحجارة بلا توقف من جميع النواحي، فرجت الجدران الخشبية الرفيعة وبدا من المرجح أن تكون قد تصدعت. فتح إليس أحد المصاريع ورمى زجاجة بعنف على الحشد، لكن اندفع ساعتها عشرة أحجار فاضطر أن يغلق المصراع سريعا. بدا أن البورميين لم يكن لديهم خطة سوى رمي الحجارة والهتاف والطرق على الجدران، لكن حجم الضوضاء وحده كان مثيرا للأعصاب. وقد أصاب الأوروبيين شيء من الذهول في البداية. لكن لم يفكر أي منهم في إلقاء اللوم على إليس، المسئول الوحيد عن هذا الأمر؛ فقد بدا بالطبع أن الخطر الذي تهددهم جميعا قد قارب بينهم لبعض الوقت. وقف في وسط الحجرة السيد ماكجريجور، الذي كان في عمى جزئي من دون نظارته، في حيرة من أمره، تاركا يده اليمنى للسيدة لاكرستين، التي أخذت تمسدها، بينما تشبث أحد الغلمان باكيا بساقه اليسرى. أما السيد لاكرستين فقد اختفى مرة أخرى. وراح إليس يذرع الحجرة جيئة وذهابا وهو يدبدب بقدميه، ثم لوح بقبضته في اتجاه صفوف الشرطة.
وصاح غير آبه لوجود نساء: «أين الشرطة، أولئك الأراذل الجبناء الملعونون؟ لماذا لم يظهروا؟ يا إلهي، لن تواتينا فرصة أخرى كهذه ولو بعد مائة عام! لو كان لدينا عشر بنادق فقط هنا، لكنا استطعنا أن نفتك بأولئك الأوغاد!»
أجابه السيد ماكجريجور هاتفا: «سيأتون في الحال! اختراق ذلك الحشد سيستغرق بضع دقائق.» «لماذا لا يستخدمون بنادقهم مع أولئك الأوغاد الوضعاء؟ فبإمكانهم إرداؤهم في أكوام من الجثث إذا فتحوا عليهم النار فحسب. يا إلهي، كيف يضيعون فرصة كهذه!»
اخترقت كتلة من الصخور أحد المصاريع الزنك، وتبعتها أخرى من خلال الثقب الذي أحدثته، وحطمت إحدى صور «الجرو بونزو»، وارتدت، فجرحت مرفق إليزابيث، ثم سقطت أخيرا على الطاولة. تعالت صيحة انتصار من الخارج، ثم تلتها سلسلة خبطات شديدة على السطح؛ إذ كان بعض الأطفال قد تسلقوا الأشجار وأخذوا يلهون بالتزحلق على السطح على مؤخراتهم. وعندئذ تفوقت السيدة لاكرستين على نفسها بأن أتت صرخة طغت على الجلبة التي بالخارج بمنتهى البساطة.
صفحه نامشخص