عض الشكيم على اللجام وحمحما
وأما الفيل فإنه يفهم الخطاب بذكائه، ويمتثل الأمر والنهي كما يمتثل الرجل العاقل المأمور المنهي. فهذه الحيوانات في آخر مرتبة الحيوان مما يلي رتبة الإنسان؛ لما يظهر فيها من الفضائل الإنسانية، وأما باقي أنواع الحيوانات فهي فيما بين هاتين المرتبتين.
هذا ما رسمه علماء الإسلام في نظام هذا العالم، هذه هي الصورة الواضحة الجلية التي رسمها مبدع هذا الكون ومنظم الوجود، هذه الصورة تريك أن الإنسان رشيد وعليه حفظ خلافته وصيانة رتبته والاحتفاظ بدرجته، وأنه هو الوكيل في الأرض على نفسه وعلى الحيوان والنبات. الإنسان خليفة، وأي خليفة! أف للإنسان وماذا صنع! انقسم مرشدوه إلى قسمين وانفصلوا حزبين: راحمين وظالمين، أما الراحمون فهم قسمان: أنبياء وحكماء، والآخرون مضلون.
الرحمة
من الرحمة ما نصح به بوذا أو جوطامي ابن ملك الهند من سنة 600 قبل الميلاد إلى سنة 543، وتبعه نحو ثلث النوع الإنساني في الهند والصين. بماذا أوصى؟ أوصى بالشفقة والمحبة والرحمة والعطف على اليتامى والمساكين وابن السبيل والإخاء والمساواة بين عموم البشر، وأوصى بالحيوان كالإنسان وشدد وحذر من إيذائه.
أوصى بالعفة والشجاعة، والصبر والوقار، والأدب والابتسام، وحب العلم في الإنسان. فكأنه شعر بأن كل حيوان على سطح الكرة الأرضية تحت رعايتنا، ولنا عليه الولاية، ونحن أوصياء الله عليه، فلنرحمه ولنعطف عليه، فالله ما خلق هذا باطلا، فمن آذى حيوانا، أو لم يقم بحق الإنسانية، فهو كفور جهول.
وترى في أصول الدين النصراني من الرحمة والشفقة، وحب النوع الإنساني ما لا مزيد عليه، ولكن الإنسان ظلوم جاحد للحقائق غادر لا يصغي لنصح الناصحين. ومن آيات الرحمة الظاهرة ما أقرته الشريعة الإسلامية من حرمة البيت الحرام وتحريم صيد الحرم، وقتل المحتمي به، فكأنها إشارة خفية للناس أن يرحموا الإنسان ويعمموا السلام، ولا يؤذوا الحيوان، هذه إشارات تشير لهم أن ارحموا ترحموا، واعلموا أن الحيوان له إدراك وشعور يتألم كما تتألمون ويشعر كما تشعرون، فإياكم أن تؤذوه.
وهل أتاك نبأ الحكيم سولون من اليونان إذ قال لقومه: ألا تعقلون! أتؤثرون حكم المستبد على العادلين، هلا استبدلتم النادي الشوري بأحكام الظالمين! فتولوا عنه مدبرين، واتبعوا الطاغي كما كانوا يعتادون، فتولى عنهم وقال: يا قوم لقد نصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين، وعلمتكم الفضيلة ونظام الاجتماع وحكم الجمهور العادل بالنائبين المخلصين فكذبتم وارتبتم وخضعتم للمفكرين، ثم ألقى سلاحه عند باب الندوة وقال: إنكم قوم تجهلون، ثم هاجر من اليونان وقال: والله لا يجمعني والظلم مكان؛ لئلا يقول طلاب العلم أن سولون يرضى بما يعمل الظالمون. فلما أن جاء ليديا قال له ملكهم العظيم: ماذا ترى من العظمة في ملكنا الفخيم؟ ألم تر إلى ما أوتينا من زينة وجمال وحبذ باهرين، وهلا راقك هذا القصر وأثاثه، والسرر البهية، والأكواب الموضوعة، والنمارق المصفوفة، والزرابي المبثوثة؟ فقال: إن كل ذلك إلا متاع الغافلين وزينة الجاهلين وعظمة المغفلين، ألا إنما سعادة الرجل أن يعدل في العالمين ويقسط في حكمه بين المتقاضين، كملك كان في اليونان أقاموا له التماثيل بعد وفاته وحزنت جميع الناس على مماته وقالوا: إنه لرزء عظيم.
وأضرب لك مثلا ولدين أكرما أمهما الصالحة، وجرا عربتها إلى مصلى العابدين، فدعت لهما، فلما ماتا رضي الناس عنهما أجمعون، فكانا صالحين في حياتهما قدوة بعد موتهما.
فاستكبر ملك ليديا فأخذه أعداؤه أخذ القاهرين وكادوا يحرقونه، فتداركه الله بلطفه وأخره إلى حين.
صفحه نامشخص