وقوله تعالى: {ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك} هذا مثل ضربه الله للممتنع من الإنفاق في الحقوق التي أوجبها في أموال ذوي الأموال فجعله كالمشدودة يده إلى عنقه التي لا يقدر على الأخذ بها والإعطاء، وإنما معنى الكلام: ولا تمسك يدك يا محمد بخلا عن التقدم في حقوق الله فلا تنفق فيها شيئا إمساك المغلولة يده إلى عنقه الذي لا يستطيع بسطها، ولا تبسطها بالعطية كل البسط فتبقى لا شيء عندك، ولا تجد إذا سئلت شيئا تعطيه سائلك فتقعد يلومك سائلوك إذا لم تعطهم وتلومك نفسك على الإسراع في مالك وذهابه.
وقوله: {محسورا} أي معيبا قد انقطع بك لا شيء عندك تنفقه، من قولهم للدابة التي قد سير عليها حتى انقطع سيرها وكلت من السير: دابة حسير يقال منه: حسرت الدابة فأنا أحسرها وأحسرها حسرا وذلك إذا أنضيتها بالسير، وحسرته بالمسألة إذا سألته فألحفت، وحسر البصر فهو يحسر وذلك إذا بلغ أقصى المنظر فكل، ومنه قوله تعالى: {ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير}.
قال الحسن: مغلولة عن النفقة، ولا تبسطها تبذر تسرف، وهو معنى قول ابن عباس.
صفحه ۲۱۱