قلت: آه! أنت يا حبيبتي في، وأشعر بك دائمة الاندفاق والانصباب في نفسي، كأنك جمال لا ينتهي، وكأني عشق لا يمتلئ، وأنت خارجة عني وبي شوق دائم النزوع إليك، يخيل إلي والله أنه ملء الكون لا ملء صدري: وأنه لا يزال شاردا متسحبا على الوجود كله لا يجد ما يستقر عليه، مع أنه واجدك، ومع أنه حائم عليك، وما ذلك إلا لأنك دائمة الدلال، أي دائمة الانحراف عن لمسات قلبي، أي دائمة الاهتزاز بمعانيك الجميلة، كيلا تثبت صفة منك على صفة مني، كيلا نتعانق حتى ولا في المعاني.
أنت اثنتان عندي، وليس في يدي من واحدة شيء، وإذا كثرت الآمال؛ لتكثر حسرات الإخفاق عليها، فلماذا لا تقول إن الأمل هو الاسم الصحيح للخيبة؟
إنك لي كالرؤيا من الرؤى السماوية، فالتي هي أنت ليست في التي هي أنت، وبذلك فالتي أحبها فيك لا يمكن أن أجدها فيك،
10
كأنما نتلاقى في عالم بعيد من وراء ظواهرنا.
كأنما قامت منا في الحب حدود دولتي، فلن يتقدم حد منهما إلى حد ويكون بينهما سلم، ولا سلم إلا في هذه الوقفة الثابتة، ولا إخلاص ولا محبة ولا ثقة إلا أن يدق مسمار الزمن في كليهما فإذا هو من الآخر بعيد على قرب قريب على بعد!
11
كأننا نعيش في أمس، يجيء يلبس كل يوم من أيامنا لا قوة تناله فتنزعه، ولا قوة تناله فتبليه، فما تزال تتجدد من تحته أيام الحب في سر منا، ونعطي كل يوم عالمنا، ولا نأخذه، ولا نتلقاه!
كأننا في يوم هجر خالد علينا، فكل ما يأتي بعده من الأيام ميت فيه لا محالة؛ إذ أيام الحب إنما هي بنسبتها إلى الحبيب لا إلى الزمن.
كأن هذا الحب قد ضرب بيننا وبين الحقائق بسور ظاهره فيه الرحمة وباطنه من قبلة العذاب، فكل ما رأيناه رأي العين من فرح الأشياء ولذاتها، علمناه في علم أنفسنا أوجاع مكابدة وآلام حرمان ...! •••
صفحه نامشخص