لم يكن هذا سوى وداع سريع في الشارع، ولكنه كان ذكرى مقدسة لدى هذين الشخصين العاديين.
عمل ستيفن في المصنع في اليوم التالي والذي يليه. وما من أحد من العمال تكلم معه، وكان في كل ليلة يذهب إلى المصرف ويقف خارجه أكثر من ساعة ولم يتصل به أحد، ولم يحدث أي شيء سواء كان طيبا أو رديئا.
قرر ستيفن في الليلة الثالثة والأخيرة أن يبقى خارج المصرف لمدة ساعتين، فبدت هاتان الساعتان دهرا. كان يعرف أن مديرة بيت المستر باوندرباي جالسة عند نافذتها بالطابق الأول، وأن رسول المصرف جاء إلى تلك النافذة مرة أو مرتين، وجاء مرة إلى الباب الأمامي، ولكنه لم يقل شيئا لستيفن.
وأخيرا، ذهب ستيفن إلى بيته، وودع صاحبة البيت، وذهب إلى الفراش مبكرا، ورغب في مغادرة البلدة مبكرا، قبل أن يكون العمال الآخرون في الشارع الذي يسير فيه.
عندما بزغ النهار، ألقى ستيفن نظرة حول حجرته لآخر مرة، ثم غادر البيت.
كانت الشوارع خالية من الناس، لم يبصر فيها أي مار، كما لو أن سكان البلدة قد هجروها؛ لأنهم لا يريدون أن يتحدثوا معه. فصعد في التل. وعندئذ ارتفعت الشمس في السماء بعيدا عن الأفق، وأخذت الحياة تدب في البلدة.
من الغريب أن يتحول ما اعتاد ستيفن رؤيته، من المداخن العالية ذوات الدخان الكثيف، إلى الطيور تشقشق وتزقزق على أفنان الأشجار، ومن الغريب أيضا أن يعلق تراب الشوارع بقدميه بدلا من تراب الفحم، ومن الغريب كذلك أن يقضي حياته في تلك البلدة، ثم يرحل عنها ليبدأ حياة أخرى من جديد، في هذا الصباح من الصيف.
سار ستيفن في الطريق، وهذه الأفكار تدور في خلده، وهو يحمل صرته تحت ذراعه، تظله الأشجار وتهمس إليه بأنه ترك وراءه قلبا محبا.
الباب السابع
البارود
صفحه نامشخص