فقال أدهم بلهجة المتصبر: يا إدريس أما كفاك ما فعلت بي؟ لا أريد أن تعرفني أو أن أعرفك! - كيف يتأتى هذا ونحن في حكم الجيران؟! - ما أردت جوارك ولكني قصدت أن أبقى قريبا من البيت الذي ...
فقاطعه هازئا: الذي طردت منه!
فسكت أدهم وقد تجلى الضيق في شحوب وجهه، فاستطرد الآخر قائلا: النفس تتعلق بالمكان الذي تطرد منه، أليس كذلك؟
فلم يخرج أدهم عن صمته، فقال الآخر: إنك تطمع في العودة إلى البيت يا ماكر، إنك ضعيف حقا ولكنك مليء بالمكر. ألا فاعلم بأني لن أسمح لك بالعودة وحدك ولو انطبقت السماء على الأرض.
فتساءل أدهم ومنخراه يتحركان من الحنق: ألم يكفك ما فعلت بي؟ - ألم يكفك أنت ما فعلت بي؟ من أجلك طردت وكنت كوكب البيت المنير. - بل طردت بسبب نفسك المتعجرفة.
فقهقه إدريس قائلا: وطردت أنت بسبب نفسك الضعيفة، فلا مكان في البيت الكبير للقوة ولا للضعف! فانظر إلى استبداد أبيك. إنه لا يسمح باجتماع القوة والضعف في نفس إلا نفسه هو، إنه القوي لحد الفتك بفلذات كبده، الضعيف لحد التزوج من أم كأمك.
فقطب أدهم غاضبا وقال بتهدج: دعني أذهب، وتحرش إذا شئت بقوي مثلك. - أبوك يتحرش بالأقوياء والضعفاء.
فصمت أدهم وازداد وجهه عبوسا، فقال إدريس هازئا: لا تريد أن تتورط في تجريحه! هذا مكر من مكرك، ودليل على أنك ما زلت تحلم بالعودة. - ثم تناول خيارة وأخذ ينظر إليها باشمئزاز ثم قال: كيف سولت لك نفسك أن تسرح بهذا الخيار الملوث؟! ألم تجد عملا أشرف من هذا؟ - إني راض عنه! - بل اضطرتك الحاجة إليه، على حين ينعم أبوك بالعيش الرغيد. فكر قليلا في الأمر، أليس من الأكرم لك أن تنضم إلي؟!
فقال أدهم في ضجر: لم أخلق لحياتك! - انظر إلى جلبابي! كان صاحبه يرفل فيه أمس دون وجه حق!
فلاح التساؤل في عيني أدهم وقال: وكيف حصلت عليه؟ - كما يفعل الأقوياء!
صفحه نامشخص