فقال حمدان بصوت ينم عن الانتصار: قلت لكم مرارا إن الصبر على ما نلقى خير من التسكع بين غرباء سيكرهوننا.
فقال جبل بقوة: ليس الأمر كما ترى.
وهز حمدان رأسه دون أن ينبس، فساد صمت حتى قال دعبس: يا جماعة فلنتركه ليستريح.
ولكنه أشار لهم بالبقاء وقال: ما جئت لأستريح، ولكن لأحدثكم في شأن خطير، أخطر مما تتصورون.
وتطلعت إليه الأعين بدهشة وغمغم رضوان متمنيا الخير فيما سيسمع. أما جبل فراح يقلب في الوجوه عينيه القويتين، ثم قال: كان بوسعي أن أمضي العمر كله في أسرتي الجديدة دون تفكير في العودة إلى حارتنا.
وصمت مليا، ثم عاد يقول: لكنه حدث منذ أيام معدودة أن شعرت برغبة في المشي وحدي على رغم البرد والظلام، فخرجت إلى الخلاء، وإذا بقدمي تقودانني إلى البقعة المشرفة على حارتنا، ولم أكن دنوت منها منذ هروبي.
تجلى الاهتمام في الأعين، فواصل الرجل حديثه قائلا: مضيت في تجوالي في ظلام دامس، فحتى النجوم توارت وراء السحب، وما أدري إلا وأنا أوشك أن أصطدم بشبح هائل، توهمته أول الأمر أحد الفتوات، ولكنه بدا لي شخصا ليس كمثله أحد في حارتنا ولا في الناس جميعا، طويلا عريضا كأنه جبل، فامتلأت رهبة وهممت بالتراجع، وإذا به يقول بصوت عجيب: «قف يا جبل!»؛ فتسمرت في مكاني وسألته وجلدي ينضح بالخوف: «من؟ من أنت؟»
وتوقف جبل عن الحديث فمالت الرءوس إلى الأمام في اهتمام، وتساءل ضلمة: من حارتنا؟
ولكن عتريس قال بسرعة معترضا: قال إنه ليس كمثله أحد في حارتنا ولا في الناس جميعا.
ولكن جبل قال: بل إنه من حارتنا؟
صفحه نامشخص