اوهام عقل
أوهام العقل: قراءة في «الأورجانون الجديد» لفرانسيس بيكون
ژانرها
ونحن نؤخذ بالشواهد الإيجابية لأي رأي أو اعتقاد، ونغض الطرف عن الشواهد السلبية حتى إن كانت أكثر عددا وثقلا!
4
ويبدو أن الدماغ البشري - بحكم تكوينه - يجد صعوبة في «معالجة» الإشارات السلبية أكثر مما يجدها في معالجة الإشارات الإيجابية، يسمى هذا الخطأ المعرفي - بالمصطلح الحديث - «انحياز التأييد»
confirmation bias ؛ أي البحث عن التأييد دون التفنيد، ويذهب البعض إلى أن هذا الانحياز هو السبب من وراء الاعتقادات الاجتماعية «المخلدة لذاتها» و«المحققة لذاتها».
5
ونحن نؤخذ بشواهد لافتة قليلة، ونظن أن كل شيء آخر يسير على غرارها ويجري مجراها، نحن متسرعون في التعميم، نستبق الطبيعة، ولا نجد في البحث عن أمثلة سالبة مفندة تختبر فروضنا اختبار النار.
ونحن لا نفهم الأمور فهما بريئا أبدا؛ ذلك أن فهمنا مشرب دائما بإرادتنا وعواطفنا وأمانينا، نحن نصدق ما نفضله، ونرى ما يطيب لنا أن نراه، ونرفض كل ما هو غير تقليدي خوفا من رأي العامة.
وإن بالعقل البشري ميلا إلى ممارسة نشاطه دون توقف: إنه كالحصان الهائج الذي لا يعرف كيف يقف، ولا يزال يغذ في السير وإن كان ذلك بغير جدوى؛ ولذا فمن غير المتصور عنده أن يكون هناك حد ما للعالم أو نقطة نهاية؛ إذ يبدو له دائما - بما يشبه الضرورة - أن هناك شيئا ما وراء ذلك الحد أو النهاية، وشأن العقل البشري مع الزمان كشأنه مع المكان، فليس بوسعه أن يتصور كيف تدفقت الأبدية نزلا إلى يومنا هذا ... وثمة نفس الصعوبة فيما يتعلق بقابلية الخطوط للانقسام إلى ما لا نهاية والناجمة من انفلات فكرنا وعجزه عن التوقف، ويتجلى هذا الانفلات ويزداد إيذاء في عملية اكتشاف العلل؛ فرغم أن المبادئ القصوى (الأكثر عمومية) في الطبيعة ينبغي أن تكون وقائع محضة هي كما وجدت عليه ولا يمكن أن تحال إلى علة، إلا أن الفهم البشري - في عجزه عن التوقف - ما يزال يتلمس شيئا ما سابقا في نظام الطبيعة، ثم في غمرة جهاده في المضي إلى ما هو أبعد إذا به يرتد إلى ما هو أقرب! (أقرب مأخذا)؛ أعني العلل الغائبة التي هي أكثر ارتباطا بطبيعة الإنسان منها بطبيعة الكون، والتي هي من أكبر مصادر الفساد في الفلسفة.
6 «إن الغائية مصدرها إنساني، نلاحظها في خبراتنا السلوكية، ونرتكب الخطأ حين نسقطها على الطبيعة.»
7 «ولا شك أن تأكيد بيكون لهذا الميل إلى تجاوز الذهن لذاته يذكر المرء بما سيقوله كانت
صفحه نامشخص