آغاز پاییز: داستانی از یک بانوی شیک
أوائل الخريف: قصة سيدة راقية
ژانرها
وبينما كانت تتجول عبر الغرف الكبرى - في غاية الكمال والمثالية من قمة شعرها الأصهب، اللامع والمصفف على نحو رائع، وحتى أطراف حذائها الفضي - كان يحيط بها جو من الاعتداد بالنفس والثقة يتجليان في كمالها الذي وصل إلى حد الغطرسة. وكان يشع إشراق وجمال من فستانها الأخضر اللامع والسلسلة الألماس الرفيعة التي طغت على الأخريات جميعا، وهو ما جعل أغلب النساء بجانبها يبدون في مظهر رث ورديء. ولا شك أن حضورها أدى أيضا إلى تهدئة جو المرح. وكان المرء يعرف، من النظرة البادية في العينين الخضراوين المحتقرتين والابتسامة الصفراء الساخرة على الشفاه المطلية باللون الأحمر الصارخ، أنها كانت مدركة للتأثير الذي أحدثته وسعيدة بالانتصار الذي حققته. فأينما ذهبت، كان يرافقها دوما رجل كانت قد تخيرته كأنها تسدي إليه معروفا، تسبقها لمحة من الإثارة. كانت بالفعل بغيضة جدا ...
ولو كانت لديها منافسة من بين الحضور الذين كانوا يملئون أرجاء المنزل العتيق، لكانت أوليفيا بينتلاند - والدة سيبيل - التي كانت تتجول في المكان، بمفردها أغلب الوقت، تعتني بضيوفها، وهي تعي تماما أن الحفل الراقص لم يكن على المستوى الذي كان ينبغي أن يكون عليه. لم يكن ثمة شيء صارخ أو لافت بخصوصها، لا شيء متلألئ بشدة كفستان سابين كاليندار الأخضر وماساتها وشعرها الأصهب اللامع؛ وإنما كانت امرأة ناعمة، ذات طابع رقيق ومتزن؛ غزا جمالها الغامض الآخرين على نحو أبطأ وبمكر أكبر. لن تلاحظها على الفور وسط جموع الضيوف؛ وإنما تدرك وجودها تدريجيا، كما لو كان لحضورها تأثير يجتاحك بغموض كعطر ينتشر في الأجواء. وفجأة تدرك وجودها بين الآخرين ... بشعور من الإثارة الخافتة ... بوجه أبيض شاحب، يحيط به شعر أسود ناعم مشدود للوراء فوق الحاجبين معقوص في عقدة صغيرة عند مؤخرة رأسها. وتلاحظ العينين الزرقاوين الصافيتين الصريحتين، اللتين تبدوان تحت بعض الأضواء أقرب إلى السواد، ولاحظ معظم الحاضرين أنها عندما تتحدث، يخرج صوتها خفيضا ودافئا، بطريقة شديدة الإغواء، صوت له مائة درجة لون. وكان لديها أيضا أسلوب في الضحك، عندما تذهلها سخافة شيء ما، أشبه بضحكة طفل. ويراها المرء على الفور سيدة مجتمع عظيمة. ومن المستحيل أن تصدق أنها شارفت على الأربعين من عمرها وأنها أم سيبيل وصبي في الخامسة عشرة من عمره.
جعلتها الظروف وحكمتها الخاصة امرأة تبدو هادئة وخجولة وتتحاشى لفت الأنظار إليها. كانت تتمتع بأسلوب خاص لإنجاز المهام بدون جهد يذكر، وبهدوء هائل، ومع ذلك، يشعر المرء، بعد أن يعرفها، أنها تغفل عن قليل مما يحدث على مرأى أو مسمع منها؛ ليست فقط الأشياء الواضحة التي ربما كان سيلاحظها أي شخص غبي؛ وإنما أيضا التوجهات الخفية والمبهمة التي تنتقل من شخص إلى آخر. ويبدو أنها كانت تتمتع بموهبة مدهشة تتمثل في القدرة على تسوية المشكلات. كانت تكتنفها وتحيط بها حالة من الطمأنينة، تلك الطمأنينة التي عادة ما تميز أولئك الذين يعانون من درجة مفرطة من الوعي، مما جعلها تميل إلى تهدئة العالم المضطرب من حولها. ومع ذلك، كانت محيرة، أيضا، بطريقة غريبة وغامضة. كانت تحيط بها دوما عزلة وغموض، طبيعة أقرب إلى غرابة الأطوار. ولم يكن يتولد شعور باهت بعدم الارتياح لدى المرء - الذي يكتنفه هدوء حضورها اللطيف - إلا بعد أن يكون قد عرفها لفترة طويلة. وقد يخطر على بالك، بدهشة تقترب إلى حد الصدمة، أن المرأة التي تراها أمامك، تلك المرأة الرقيقة جدا والهادئة جدا، ليست أوليفيا بينتلاند مطلقا؛ وإنما دمية تخفي، وراء قناع الجاذبية، امرأة لا تعرفها مطلقا، امرأة منعزلة وحزينة وربما أيضا وحيدة. في نهاية المطاف، كانت تبعث في نفس الشخص الكيس الفطن كدرا أعمق بكثير مما كانت تبعثه سابين كاليندار المتألقة والبغيضة.
وسط ضجيج الحفل الراقص وصخبه، كانت قد أخذت تتجول هنا وهناك، وكانت الآن في هذه الغرفة الكبيرة، وفي تلك الغرفة، وقفت تتحدث بهدوء إلى ضيوفها، وتراقبهم، وتتأكد من أن كل شيء يسير على ما يرام؛ ومثل الآخرين جميعهم، كانت منبهرة بمشهد تمرد سابين وانتصارها، بل ربما أعجبها قليلا التحدي الصبياني لامرأة في السادسة والأربعين من عمرها، تتحلى بالذكاء والاستقلالية بل والتميز أيضا، وليست بحاجة إلى أن تتجشم عناء التباهي بنجاحها.
وهي تراقب سابين، التي كانت تعرفها معرفة وثيقة بالقدر الكافي، كانت قد خمنت أن أسفل تلك القشرة الخارجية، التي صممها بروعة مصفف الشعر ومصمم الأزياء والجواهري، تقبع فتاة خرقاء صهباء الشعر تثأر لنفسها الآن، متجاهلة تماما جميع الأحكام المسبقة والعادات والتقاليد التي يحرص عليها أشخاص مثل العمة كاسي وجون بينتلاند وابن العم سترازرس سمولوود، الحاصل على دكتوراه في اللاهوت، والذي تطلق عليه سابين دوما «حواري الطبقة الأرستقراطية». خطر لأوليفيا أن الأمر أشبه بأن سابين، حتى بعد فترة نفي دامت لمدة عشرين عاما، كانت لا تزال تخشاهم وتخشى تلك السلطة الفضولية الغاشمة التي يمثلونها.
كانت تعرف أن سابين كانت، مع ذلك، تراقب الحفل في الوقت نفسه. كانت قد شاهدتها طوال الأمسية في حالة من «الاستغراق» في تفاصيله؛ وأدركت أنه حين تأتي سابين في اليوم التالي قادمة من منزل «بروك كوتيدج»، ستكون على علم بكل ما حدث في الحفل الراقص، لأن لديها شغفا يدفعها إلى تقصي أمور الحياة من حولها. فخلف قناع اللامبالاة الجامد يتأجج اهتمام دائم وشغوف بتشابكات وتعقيدات العلاقات الإنسانية. وصفت سابين بنفسها الأمر ذات مرة بأنه «لعنة القدرة على التحليل التي تسلب المرء جميع لذات الحياة.»
كانت مولعة بسابين باعتبارها إنسانة فريدة وسط عالم تجاربها الشخصية، إنسانة مسلية تعشق الحقيقة والواقع. وتتمتع بالقدرة على توجيه عقلها (وهو عقل رائع حقا) نحو المواقف المتشابكة والميئوس منها فتحللها بطريقة أو أخرى إلى عناصرها المناسبة وتجعلها تبدو فجأة واضحة وبسيطة، وبغيضة في كثير من الأحيان؛ لأن الحقيقة ليست دوما شيئا لطيفا وممتعا.
2
لم يعان أحد من عودة سابين منتصرة أكثر من العمة كاسي الكئود. فبطريقة ما، كانت تنظر دوما إلى سابين، حتى خلال السنوات الطويلة لمنفاها الاختياري بعيدا عن مباهج بلدة دورهام، باعتبارها تقع ضمن ممتلكاتها الخاصة، على نحو يشبه كثيرا نظرتها إلى كلب، لو كان في مقدور السيدة العجوز أن تحتمل من الأساس صحبة كائن فوضوي مثل الكلب. ونظرا لأنها لم تنجب أولادا، كانت قد طبقت جميع نظرياتها عن التربية على ابنة شقيق زوجها اليتيمة المسكينة.
في تلك اللحظة، جلست السيدة العجوز في منتصف درج السلم الأبيض، تتفحص بعينيها السوداوين الثاقبتين الحفل الراقص بنظرة يشوبها استنكار مستتر. جعلتها الموسيقى الصاخبة تشعر بالتوتر والضيق، وبدت لها الطريقة التي كانت الشابات تضع بها مساحيق التجميل والبودرة رخيصة ومبتذلة. قالت في نفسها مستنكرة: «ربما تقدم إحداهن أيضا على غسل أسنانها هنا على مائدة العشاء.» ظلت تقارن، في سريرتها، كل شيء في هذا الحفل بالحفل الراقص الذي أقيم لها قبل أربعين عاما، وهي مناسبة كانت قد أسفرت في النهاية عن الإيقاع بالسيد سترازرس في حبائلها. بثياب سوداء متواضعة (إذ كانت ترى أن العيش على عائد دخلها الخاص هي مسألة شرف) حدادا على زوجها المتوفى قبل ثماني سنوات، كانت أشبه بأنثى غراب وقورة، ولكن متذمرة قليلا، تقف على سياج.
صفحه نامشخص