آغاز پاییز: داستانی از یک بانوی شیک
أوائل الخريف: قصة سيدة راقية
ژانرها
أما البينتلاندي الثالث فكان أعظم مبشري زمانه، رجل خاض في نيو إنجلاند حاملا شعلة التبشير عاليا، واعظا في جموع أهل القرية الغلاظ بلغة فظة ذات نبرة حماسية، لدرجة أن نساء عجائز فارقن الحياة إثر الإصابة بسكتة دماغية وأنجبت الشابات أطفالا مبتسرين. أظهرت العظات التي بقيت حتى يومنا هذا أنه كان رجلا غير مثقف، بل وفي بعض الأحيان أقرب إلى كونه أميا، ومع ذلك كان قد أسس بطاقته الهائلة مدرسة عليا وذاع صيته بصفته واعظا و«سيف الرب الملتهب» حتى وصل إلى الإخوة الجهلة والبسطاء في الريف الإنجليزي الداخلي.
أما البينتلاندي التالي فكان الابن الأكبر من بين عشرين طفلا من أطفال المبشر (من أربع زوجات)، وهو رجل كان من الواضح قد أهمل وصايا والده وظهر في صورته، مثالا للرجل الشهواني، سمينا جدا ويبدو ودودا، وذا شفتين حمراوين مكتنزتين. كان هذا البينتلاندي هو المؤسس للثروة التي أتاحت للعائلة أن تخطو خطوتها الأولى صعودا نحو الطبقة الأرستقراطية التي انتهت بآنسون المنكب على كتاب «عائلة بينتلاند ومستعمرة خليج ماساتشوستس». كان قد حقق ثروة كبيرة بتجهيز سفن القراصنة وممارسة ما يشبه القرصنة على التجار البريطانيين؛ وكانت هناك أيضا شائعة رائجة غامضة (كان آنسون ينوي تجاهلها) بأنه حقق أرباحا تصل إلى ثلاثمائة بالمائة من سفينة واحدة محملة بالزنوج بغرض الاتجار بالرقيق من الأفارقة.
تليه صورتان لاثنين من البينتلانديين كانا قد شاركا في الثورة، وبعدها تأتي فجوة أخرى من الأشخاص العاديين، بما في ذلك الفجوة التي مثلها جاريد المفقود، ثم يظهر أنتوني بينتلاند الذي زاد ثروة العائلة زيادة مهولة من تجارة السفن الشراعية السريعة. كانت صورة لرجل قوي داكن البشرة (أول البينتلانديين ذوي البشرة السمراء، ممن يمكن تتبع نسبهم مباشرة وصولا إلى الأصول البرتغالية لسافينا)، رسمها له فنان من الدرجة الثانية مخلص للأسلوب الواقعي في الرسم، وكان قد صور ببراعة الثآليل التي أفسدت وجه الرجل العجوز الموقر. وفي الصورة كان يقف في الحديقة أمام منزل عائلة بينتلاند في دورهام، وخلفه الأهوار وسفينته الشراعية الفاخرة سميراميس، تمخر، بأشرعتها المفتوحة كلها، المحيط البعيد.
وإلى جواره تظهر صورة والد العجوز جون بينتلاند؛ وهو رجل يظهر على ملامحه الورع، يرتدي زيا أسود بالكامل، بياقة سوداء عالية وشعر أسود غزير مموج، وهو الذي زاد ثروة العائلة حتى صارت ثروة كبيرة حقا من خلال عمله في تعاقدات توريد الأحذية والأغطية للجنود في جيتيسبيرج وبول رن وريتشموند. وبعده اندحرت الطبقة الأرستقراطية تماما، وتظهر الصورة التي رسمها سارجنت للعجوز جون بينتلاند وهو في منتصف العمر رجلا كان خبيرا في استخدام كلاب الصيد وعاش حياة رجل ريفي نبيل، رجلا يتجلى نفوذه وشخصيته، تحولت ملامحه القوية تدريجيا إلى ملامح قاسية تكسوها المرارة للرجل المسن الذي كان جالسا الآن يقرأ على ضوء مصباح السيد لونجفيلو أو يكتفي بالتحديق أمامه في الفراغ، بينما ابنه جالس يدون التاريخ الطويل للعائلة.
كان الغرباء يفتنون بمعرض الصور هذا؛ لأنه كان يمثل سجلا مرئيا لعائلة لم تفقد مطلقا أيا من أموالها (باستثناء الأموال المهدرة على ترف جواهر سافينا بينتلاند)، عائلة كانت بمثابة العمود الفقري لمجتمع محلي، عائلة تزوج فيها الرجال زوجاتهن لحسن تدبيرهن ومزاياهن كربات بيوت وليس لجمالهن، عائلة متماسكة جديرة بالاحترام ومحاطة بالإجلال. كانت عشيرة تتميز بعظمة مناقبها ونفوذها، بل وفي بعض الأحيان بعظمة تعصبها وريائها. وكان يمثلها الآن العجوز جون بينتلاند وآنسون، والفتى الذي يرقد طريح الفراش في الطابق العلوي في الغرفة المجاورة لغرفة أوليفيا، يحتضر ببطء. •••
في الساعة العاشرة من كل ليلة، كان جون بينتلاند يتمنى لهم ليلة سعيدة ثم يأوي إلى الفراش، وفي الحادية عشرة كان آنسون يتركهم ويختفي، بعد أن يرتب مكتبه بدقة ويضع أوراقه في ملفاتها، ويقول لأوليفيا: «لو كنت مكانك، لما أطلت السهر، وأنت متعبة بشدة.» وبعده بقليل، تقبل سيبيل والدتها وتصعد الدرج مرورا بجميع الأسلاف.
وحينها فقط، بعد أن ينصرفوا عنها جميعا، تنعم أوليفيا ببعض السكينة. فتزول عنها الأعباء، والهموم، والمخاوف، والأفكار التي أثقلت دوما كاهلها، وتجلس لبعض الوقت مسندة ظهرها على الكرسي ذي المسندين ومغمضة عينيها، مصغية إلى أنغام الليل؛ همهمات النسيم الخافتة بين زهور الليلك الذابلة خارج النافذة، والصرير الصادر عن المنازل العتيقة ليلا، وأحيانا الصوت المشئوم لخطوات الآنسة إيجان الصادرة من بعيد وهي تجتاز الجناح الشمالي العتيق. ثم في إحدى الليالي سمعت مرة أخرى صوت هيجينز الصادر من بعيد وهو يسب الفرس الحمراء أثناء جولة تفقده للإسطبلات قبل خلوده إلى النوم.
وبعدما انصرف الجميع ، فتحت كتابها وانهمكت في القراءة. «لم تحر السيدة كليف جوابا، وفكرت بخزي في أنها كانت ستأخذ كل ما قيل عن التغيير الذي اعترى الأمير علامات دالة على عاطفته، لو لم تكن قد تحررت من الأوهام. كانت تشعر ببعض المرارة تجاه زوجة وريث العرش. ...» كانت تشعر في هذا العالم لسبب تجهله ببعض السكينة، كما لو أنها كانت قد عاشت فيه سابقا وعادت إليه في سكون الليل.
وعند حلول منتصف الليل كانت تغلق الكتاب، وتتفقد الغرف السفلية، وتطفئ المصابيح وتصعد الدرج الطويل لتقف عند باب غرفة ابنها منصتة إلى صوت أنفاسه، الخافتة المضطربة.
2
صفحه نامشخص