172

5

مساجد، قد شروا لله أنفسهم، وأرخصوا في مرضاته أرواحهم، ورضوا بما قسم لهم، وقد سايروا الشمس مغربين، لا تحويهم البلدان، ولا تستردهم الأوطان، كأنهم نجوم في حبك الأرض، تسير بقدر إلى قدر.

العرب المسلمون يقودهم عمرو، يتوجهون تلقاء مصر، رموا الباطل في جانب، وساروا إليه في جانب، وصرعوه في ميدان، وهرعوا إلى ميدان. هدموا سلطان الروم في الشام، وصمدوا لسلطان الروم في مصر وإفريقية.

بالأمس زحموا الصرح فانهار، ونفخوا زخرف قيصر فطار، وأشاروا إلى الصنم فسجد، وخلى جبروته إلى الأبد. وضعوا سلطان هرقل، ورفعوا سلطان الله، وأقاموا الحرية في مصارع العبودية، وشادوا العدل على مقاتل الجور.

واليوم يتبعون الباطل المهزوم، ويشردون الزور المزءود. إنهم يؤمون مصر، ومصر أكرم على الله من أن تكون مباءة الباطل، ومثوى الجبروت. إنهم يسرعون إلى مصر، فعفاء على الروم وسلطانهم. ويل للباطل يدمغه الحق، والظلم يزلزله العدل، والاستعباد تثور به الحرية، ويل للروم يسير إليهم العرب.

2

أترى البحر المائج، واللج الهائج، أترى السفن على الثبج

6

راجفة، والجموع فوقها واجفة؟ أترى الموج يتلاطم، والسفين يتصادم، والجيوش ملتحمة، والخناجر والسيوف مختصمة؟ أترى جندا يلوذون من حر الضراب إلى برد الماء، ومن ذل الإسار إلى عار الفرار، وجندا ثبته اليقين فثبت، وآثر الموت على الحياة فظفر؟

وا عجبا، قد أصبح فرسان الصحراء أبطال الدأماء، وصار حداة الإبل أمراء السفن، جاوزوا الكثبان البيض إلى اللجج الخضر، فاتخذوا السفين جيادا، والبحر مرادا. وهل الإبل إلا سفن الصحراء، وهل السفن إلا أفراس الماء؟ ما استبدل هؤلاء إلا سفينة بسفينة، وفرسا بفرس.

صفحه نامشخص