piano ، واختاري أسعد الأغاني، ثم تلطفي في العزف، وأرسلي صوتك خافتا كالبعيد من الصدى، وابعثي إلي النغمات كأنفاس الصبا، حتى تمسح على جبيني الملتهب، وتخفف من الحزن الثائر، وترفه عن القلب المائج، حتى إذا انبسطت الأسارير، وتهلل الوجه النضير، فانشطي بصوتك، واشتدي على بيانك.
ثم اختلسي النظرات إلي، فإذا أيقنت أن أشعة السرور بددت ظلام الحزن، وأن قد أديل من ليل اليأس لصبح الأمل، فأسمعيني ضحكك، ثم سارعي إلى أبيك فعانقيه، وساقطي على جبهته قبلاتك تساقط الندى في أعقاب الظلام، ثم حدثيني أحدثك بما يطربك.
وهكذا يا بنيتي الحبيبة علي أن أسعدك في ساعات عديدة، وعليك أن تفرجي عني دقائق معدودة، عليك أن تزحزحي عني ظلام الهموم، وعلي أن أخط لك من السعادة هالة لا يقوى عليها جون الغمام، ولا يذهب ببهائها حلك الأيام، عليك أن تفتحي للبلبل قفصه، وعليك أن يملأ لك الدنيا غناء وتطريبا، وشدوا وترجيعا، عليك أن تدليه على مفتاح الموسيقى، ثم تستمعي لعزفه، وأن تقدمي له طاقة من الورد، ثم تنصتي إلى وصفه.
عليه أن يعرض عليك جنة عرضها الأرض والسماوات، وعليك أن تعطيه مفتاحها إذا أذهلته عنه الحادثات، وأن تشيري إلى الباب إذا أضلته عنه الغير، وغشى على عينه سواد الفكر. عليك أن تمكنيني من القلم، وعلي أن أسطر لك قصيدة سعيدة النغم، وأنظم لك عقدا يتلألأ على صدرك، ويسطع في أيامك، عقدا مثل أبيك من ينظمه، ومثلك من يحمله.
وبعد فيا بثينة، قد وقف القلم، وغام الحزن على وجه أبيك، فليتك هنا لتنقذيه مما به.
عمر في بيت المقدس1
1
هذا عام ستة عشر من الهجرة، وقد انسابت جيوش المسلمين في الشام والعراق وفارس، وألقت أقاليم الشام بالمقاليد إلا فلسطين، وأبو عبيدة بن الجراح يحصر بيت المقدس، وقد ملأ الأسماع والقلوب بأس المسلمين وعدلهم ووفاؤهم.
عزم أهل البيت المقدس أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس: في عهد المسلمين وحمايتهم وعدلهم، ورغبوا أن يكون صاحب عقدهم عمر ، عمر الذي ملأت سيرته الآفاق، وسكنت إلى عدله النفوس، واشتاقت إلى رؤيته العيون.
وفصل عمر عن المدينة في جمع من الصحابة ومعه مولاه أسلم، خرج يغذ السير إلى الشام؛ ليتفقد أحوال المسلمين، ويصالح أهل فلسطين.
صفحه نامشخص