ولطالما جلست إليه فأصغيت إليه يقص ما يلاقيه من قسوة الناس وجحودهم، فأقول له: يا صديقي، نحن جنود في هذه الدنيا، نعمل لصالح الناس، ولا نبالي ما يقولون عنا، نعمل لخير الإنسانية ونترك الحكم علينا للتاريخ، ويبدو لي أنه كتب مقطوعة «الناس» تحت تأثير هذه الفكرة، وفيها يقول:
أسير فلا أرى في الناس ناسا
ولكني أرى صورا أمامي
فدعني في إبائي فهو عندي
أجل من انتقامك وانتقامي
وأبو شادي مشغوف جد الشغف بالمثل الأعلى، ولعل هذا هو سر شقائه الذي يفيض من صفحات ديوانه فيضا.
أذكر أني قرأت قصة لتوماس هاردي تدعى «الحبيبات» مؤداها أن رجلا فنانا عاش يطلب المثل الأعلى في الجمال، فصار المثل الأعلى يخذله، حتى بلغ المشيب ووجد نفسه يتهدم وينحدر إلى الفناء، فماذا صنع؟ مضى إلى تماثيله وأخذ معوله فهدمها كلها؛ لأنها أضاعت حياته هباء منثورا.
فأبو شادي مغرم بالمثل الأعلى يريده في الأخلاق، ويريده في الجمال - بدليل الصور التي يتخيرها لديوانه - ويريده في أمته بدليل إعجابه بغاندي: انظر قطعته الجميلة عنه، [في «صوم غاندي»]:
تصوم مكفرا عن إثم دنيا
يسير بها القوي على الضعيف
صفحه نامشخص