واحترز به عن الأحوال التي ليست بهذه الصفة؛ كالإعلال والإدغام، والرفع والنصب، وما أشبه ذلك من المحسنات البديعية، فإن بعضها مما تقدم على المطابقة لمقتضى الحال، وبعضها مما تأخر، ولا بد من اعتبار قيد الحيثية أي التي بها يطابق اللفظ مقتضى الحال من حيث هي كذلك، ليتم أمر الاحتراز به وإلا لدخل فيه بعض المحسنات والأحوال النحوية، والبيانية، التي ربما يقتضيه الحال، فإن الحال ربما يقتضي تقديما أو تأخيرا يبحث عنه النحوي، وربما يقتضي السجع وغيره، وربما يقتضي إيراد المجاز والتشبيه، فلولا قيد الحيثية لدخلت هذه الأمور التي تعلقت بعلوم أخر في المعاني، لكن الواضح في الإشعار بالحيثية تعليق الحكم بالمشتق ثم بالموصول الذي صلته مشتقة، وإشعار الموصوف بهذا الموصول بقيد الحيثية خفى، ولذا قال الشارح المحقق: وفي وصف الأحوال بقوله التي بها يطابق اللفظ مقتضى الحال قرينة خفية على اعتبار الحيثية، وأما قوله: ولولا اعتبارها يلزم أن يكون علم المعاني عبارة عن تصور هذه الأحوال، أو التصديق بوجودها، إذ لا يفهم من معرفة الشيء إلا هذا، ففيه أن قولهم العلم إدراك المركب، والمعرفة إدراك البسيط يشتمل تصور البسيط والمركب، والتصديق المتعلق بهما مطلقا، والعلم في التعريف إما بمعنى الملكة أو المسائل، أو التصديقات بها، فكيف يكون تصور هذه الأحوال والتصديق بوجود هذه الأحوال الجزئية داخلين فيه؟ وإنما يختل التعريف لأنه يلزم أن يكون علم المعاني ملكة أو تصديقات بمسائل، أو مسائل يعرف بها هذه الأحوال أو وجودها! ! وظاهر أنه ليس كذلك. وقد عرف صاحب المفتاح المعاني بأنه تتبع خواص تراكيب الكلام في الإفادة، وما يتصل بها من الاستحسان وغيره، ليحترز بالوقوف عليها عن الخطأ في تطبيق الكلام على ما يقتضي الحال ذكره، وعدل المصنف عنه إلى ما هو أخصر منه وأوضح كما لا يخفى، ولأنه تعريف بالمباين، إذ التتبع ليس بعلم، ولا صادق عليه، كما اعترض به في الإيضاح، وما أجاب به # القوم عنه من أن المراد بالتتبع المعرفة على إطلاق السبب، وإرادة ما هو مسببة، تنبيها على أن المعاني تلك المعرفة دون معرفة الله، ومعرفة العرب على ما قيل ودون المعرفة بالتقليد، كما نقول يرده أنه يأبى عن إرادة المعرفة بالتتبع قوله:
صفحه ۲۰۴