واعلم أن قوله فالبلاغة صفة ... إلخ متفرع على قوله: وارتفاع شأن الكلام في الحسن والقبول ... إلخ، يعني لما كان ارتفاع شأن الكلام بمطابقته للاعتبار المناسب، ومعلوم أن ارتفاعه بالبلاغة علم أن البلاغة صفة للفظ بالقياس إلى إفادته المعاني والأعراض بالتركيب، والمقصود منه على ما صرح به في الإيضاح جمع كلامين متنافيين وقعا من الشيخ، حيث قال تارات: إن الفصاحة راجعة إلى المعنى وإلى ما يدل عليه اللفظ دون الألفاظ، وتارات إن الفضيلة للفظ # الكلام لا لمعناه؛ فإن المعاني مطروحة في الطريق يعرفها العجمي والعربي والقروي والبدوي، ولا شك أن الفصاحة من صفاته الفاصلة، فتكون راجعة إلى اللفظ دون المعنى، ووجه التوفيق أنه أراد بالفصاحة معنى البلاغة، وحيث أثبت أنها من صفات الألفاظ أراد أنها من صفاتها باعتبار إفادتها المعنى بالتركيب، وحيث نفى ذلك أراد أنها ليست من صفات الألفاظ المفردة، والكلم المجردة من غير اعتبار التركيب أو ليست من صفات الألفاظ باعتبار أنفسها لا باعتبار إفادتها المعنى، وحيث أثبت أنها صفة المعنى أراد أن للمعنى مدخلا تاما في ثبوتها للفظ، وحيث نفاه أراد أنها ليست من صفاته مع قطع النظر عن إفادة اللفظ إياها بالتركيب، ويمكن التوفيق أيضا بأنه حيث جعلها صفة اللفظ دون المعنى أراد معناها المستفيض، وحيث جعلها راجعة إلى المعنى جعلها بمعنى البلاغة؛ لكنه كوجه ذكره المصنف لا يطابق ما قصده الشيخ، بل الوجه ما ذكره الشارح المحقق أنهم سموا ترتيب المعاني الأول والمعاني الأول ألفاظا، وفضيلة الكلام باعتبار هذا الترتيب، فحيث جعلها صفة راجعة إلى اللفظ أراد باللفظ المعاني الأول، وكذلك حيث جعلها صفة راجعة إلى المعنى، وحيث نفى نفي كونها صفة للألفاظ المنطوقة وللمعاني الثواني، وما يقال فليكن مراد المصنف باللفظ تلك المعاني الأول، فيطابق مراد الشيخ، فليس بشيء لأن الشيخ بين في كتابه تلك المواضعة، والمصنف لم يبينها، وكلما استعمل اللفظ استعمل لمعناه المستفيض، فحمل اللفظ في كلامه على هذا حمل له على ما لا يحتمله.
[ولها طرفان
: ]
صفحه ۱۹۳