271

(والمشهور أن الالتفات هو التعبير عن معنى بطريق من الثلاثة بعد التعبير عنه بآخر منها)، وكأنه حمل السكاكي قولهم: بعد التعبير عنه بآخر منها على أعم من التعبير حقيقة أو حكما، واقتضاء المقام تعبيرا في حكم التعبير، ولا يخفى أن التعبير عن معنى يقتضي المقام التعبير عنه بلفظ مذكر بلفظ مؤنث، وبالعكس، وكذا التعبير بمذكر بعد التعبير بمؤنث يشارك الأمثلة المذكورة في النكت، فينبغي أن يجعل تحت الالتفات، وله نظائر أرجو أن تتفطن لها، ولا تقتصر على ما ألقيته إليك، ولو لم يثبت أنها جعلت التفاتا، فتجعلها ملحقات به، وصرح العلامة في شرح المفتاح غير مرة بتقيد تعريف الالتفات بأن: يكون التعبير الثاني على خلاف مقتضى الظاهر وادعى الشارح المحقق: أن التنبيه لوجوب زيادة هذا القيد من عنده، وتمسك بأنه لو لم يقيد التعريف لدخل فيه ما ليس من الالتفات، نحو: أنا زيد وأنت عمرو، ونحو: إياك نستعين، فإنه بعد التعبير بالغيبة، مع أنه لا التفات إلا في إياك نعبد، لأنه بعد إياك نعبد يقتضى # الظاهر: إياك نستعين ويمكن إخراجه عن التعريف بأن يراد بقوله: بعد التعبير عنه بطريق آخر بعدية بلا واسطة كما هو المتبادر، ومنهم من توهم أن في [يا أيها الذين آمنوا] التفاتا ومقتضى الظاهر: آمنتم، ويرده ما ذكره المازني في قول علي- رضي الله عنه-[أنا الذي سمتني أمي حيدره] (¬1) أنه لولا اشتهار مورده وكثرته لرددته، إذ القياس: سمته أمه، وعلى هذا في قوله التفات (وهذا) أي:

التفسير المشهور (أخص) من تفسير السكاكي. قال في الإيضاح: وهذا أخص من تفسير صاحب المفتاح، فقول الشارح أي: الالتفات بتفسير الجمهور أخص منه بتفسير السكاكي تفسير لعبارته بغير ما يرضاه، وكلام الكشاف ظاهر في موافقة السكاكي حيث قال: التفت امرؤ القيس ثلاث التفاتات في ثلاثة أبيات يعني بها

تطاول ليلك بالأثمد ... بات الخلى ولم يرقد

وبات وباتت له ليله ... كليلة ذي العائر الأرمد

وذلك من نبأ جاءني ... وحبرته عن أبي الأسود

وتجويز أن يكون قوله مبنيا على الانتقال من الخطاب إلى الغيبة، وإلى التكلم التفاتان، ومن الغيبة إلى التكلم التفات آخر باطل؛ إذ لا انتقال من الخطاب إلا إلى الغيبة؛ لأنه إذا انتقل إلى الغيبة لم يبق في الخطاب حتى ينتقل عنه إلى التكلم، وكذا تجويز أن يكون أحد الالتفاتات، الالتفات من الغيبة إلى الخطاب في ذلك، لأن كون خطاب ذلك إلى نفسه غير ظاهر فلا ينافي ذلك التجويز كون كلام الكشاف ظاهرا فيما قاله السكاكي (مثال الالتفات عن التكلم إلى الخطاب وما لي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون) (¬2) مكان: أرجع، فإن ما عبر عنه بضمير المتكلم في: أعبد ما أبرز بصورة الخطاب في ترجعون؛ لأنه داخل في ترجعون، والمعنى: أرجع وترجعون.

صفحه ۴۱۶