ولا أظنك مرتابا في الصبح إن كنت بصيرا، عارفا بكريمه لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا، الحمد لله الذي هدانا لهذا في عنفوان أواني حتى ما رضيت بالتقليد أحدا، وما قنعت إلا بالتحقيق معتمدا؛ إلى أن جنيت من هذه الجنة ما جنيت، فلجمع كثير منه في شرح التلخيص هذا سعيت، وبأوضح تقرير وأملح تحرير أمليت، ولسالكي مناهج الحق بعين التحقيق أهديت، ولم أخف أن أشرح كتابا قد صرفت غاية همته في شرح كل باب فيه من الأبواب، جم غفير من فحول أصحاب العقول، وقوم عظيم من عظماء أرباب الألباب، سيما العالم الرباني، أستاذ الفضلاء العلامة التفتازاني (¬1)، والمحقق الحقاني، قدوة العلماء الشريف الجرجاني (¬2)، روح الله روحهما، ورزقنا غبوقهما وصبوحهما؛ كيف وقبض الصمد، لا يحيط به قبض أحد، وليس له حد، ولا يعرف له أمد؛ ولذلك ترى معي من بعدهم من مواهبه في هذا الكتاب ما يكاد يتحير فيه نواظر بصائر أرباب الذكاء؛ حيث زاد أي زيادة على ما امتلأ به أنهار المتأخرين وأجلة القدماء، فجاء بحمد الله تعالى عقدا مشتملا على فرائد اللآلى، لكل لفظ منه لفظ درر المعاني الغوالي، في أردان أذهان أذكياء الفضلاء الأعالي، وفي كل حرف منه للقلب العالي فرح في اصطياد أصناف المعالي، وكل نقطة منه لقطة نفيسة لأرباب الهمم العوالي، ظواهره مظاهر أزهار التحقيق، وبواطنه مواطن إثمار التدقيق، فلا غرو أن تجهد في اكتسابها بفكر عميق. يا ناظرا إلى قلة بضاعتي، وقصور باعتي؛ لا تكن مستبعدا لهذا النشو والنماء، فذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، فنسأل (¬3) من الله أن يجعله معينا للطلبة في فهم دقائق كتابه، وظهيرا للأجلة في علم حقائق خطابه، وذخرا لهذا العاجز الذليل، يوم لا ينفع مال ولا بنون، وعملا مبرورا له أجر غير ممنون، إنه المنعم لكافة البرايا بعامة # العطايا، وخاصة الصفايا.
صفحه ۱۳۴