فلما رأى الحاقدون ذلك وأنهم نجحوا في كيدهم هذا، كروا كرة أخرى على أهل السنة، ونفذوا إليهم من طريق التصوف والزهد المنحرف، الذي ظهرت بوادره في بداية القرن الثاني الهجري، والذي كان من أهم ركائزه الزهد في العلم، والتفرغ للذكر والعبادة -بزعمهم-.
وهذا مقتل عظيم، ومنفذ خطير للأفكار الهدامة.
وكان لدى هذه الطائفة ثغرة خطيرة، وهي تفريطهم في منهج أهل الحديث في التلقي، واعتمادهم في قبول المعارف على الذوق والإعجاب والعاطفة، والاغترار بأحوال الرجال وما ظهر لهم، فكانوا في هذا أشبه بأهل التشيع.
وهي الحال التي تُعجب الشياطين، وتمكنهم من عملهم اللعين.
قال ابن الجوزي١ ﵀ يصف حال هؤلاء القوم، وكيف تلاعبت بهم شياطين الإنس والجن، فأوقعوهم في الأفكار الضالة والعقائد الفاسدة: "وكان أصل تلبيسه عليهم أنه صدهم عن العلم، وأراهم أن المقصود العمل، فلما أطفأ مصباح العلم عندهم، تخبطوا في الظلمات، فمنهم من أراه المقصود من ذلك ترك الدنيا في الجملة، فرفضوا ما يصلح