أثر العلم الشرعي في مواجهة العنف والعدوان
أثر العلم الشرعي في مواجهة العنف والعدوان
ناشر
الكتاب منشور على موقع وزارة الأوقاف السعودية بدون بيانات
ژانرها
وقال ابن القيم: "إن النبي ﷺ شرع لأمته إيجاب إنكار المنكر ليحصل بإنكاره من المعروف ما يحبه الله ورسوله، فإذا كان إنكار المنكر يستلزم ما هو أنكر منه وأبغض إلى الله ورسوله، فإنه لا يسوغ إنكاره، وإن كان الله يبغضه ويمقت أهله، وهذا كالإنكار على الملوك والولاة بالخروج عليهم، فإنه أساس كل شر وفتنة إلى آخر الدهر، وقد استأذن الصحابة رسول الله ﷺ في قتال الأمراء الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها، وقالوا: أفلا نقاتلهم؟ فقال: (لا، ما أقاموا الصلاة) . (١) وقال: «من رأى من أميره ما يكرهه فليصبر ولا ينزعنّ يدًا من طاعته» . (٢)
ومن تأمل ما جرى على الإسلام في الفتن الكبار والصغار، رآها من إضاعة هذا الأصل، وعدم الصبر على منكر، فطلب إزالته، فتولد منه ما هو أكبر منه، فقد كان رسول الله ﷺ يرى بمكة أكبر المنكرات ولا يستطيع تغييرها. (٣) بل لما فتح الله مكة وصارت دار إسلام، عزم على تغيير البيت وردّه على قواعد إبراهيم، ومنعه من ذلك مع قدرته عليه خشية وقوع ما هو أعظم منه من عدم احتمال قريش لذلك، لقرب عهدهم بالإسلام، وكونهم حديثي عهد بكفر. (٤)
(١) الحديث رواه مسلم: ٨٥٤١، ١٨٥٥. (٢) الحديث متفق عليه بلفظ: (من رأى من أميره شيئا يكرهه، فليصبر، فإنه من فارق الجماعة شبرًا، فمات، فميتة جاهلية) رواه البخاري: ٧٠٥٤، ٧١٤٣، ومسلم: ١٨٤٩. (٣) من ذلك، أنه كان قبل الهجرة يرى الأصنام معلقة على جدار الكعبة، تعبد من دون الله، فلم يعمد إلى كسر شيء منها، مع أنها من أعظم المنكرات وأصرحها. (٤) يشير بذلك إلى حديث عائشة ﵂ قالت: قال لي رسول الله ﷺ: (لولا حداثة عهد قومك بالكفر، لنقضت الكعبة، ولجعلتها على أساس إبراهيم، فإن قريشا، حين بنت البيت استقصرت.)، رواه البخاري بألفاظ متقاربة في مواضع كثيرة، منها في: ١٥٨٣، ومسلم: ١٣٣٣.
1 / 45