آثار البلاد وأخبار العباد

زکریا قزوینی d. 682 AH
110

آثار البلاد وأخبار العباد

آثار البلاد وأخبار العباد

ناشر

دار صادر

محل انتشار

بيروت

وهي مدينة في واد والجبال مشرفة عليها من جوانبها، وبناؤها حجارة سود ملس وبيض أيضًا. وهي طبقات مبيضة نظيفة حارة في الصيف جدًا، إلا أن ليلها طيب وعرضها سعة الوادي وماؤها من السماء، ليس بها نهر ولا بئر يشرب ماؤها، وليس بجميع مكة شجر مثمر، فإذا جزت الحرم فهناك عيون وآبار ومزارع ونخيل، وميرتها تحمل إليها من غيرها بدعاء الخليل، ﵇: ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع، إلى قوله من الثمرات. وأما الحرم فله حدود مضروبة بالمنار قديمة، بينها الخليل، ﵇، وحده عشرة أميال في مسيرة يوم، وما زالت قريش تعرفها في الجاهلية والإسلام. فلما بعث رسول الله، ﷺ، أقر قريشًا على ما عرفوه، فما كان دون المنار لا يحل صيده ولا يختلى خشيشه، ولا يقطع شجره ولا ينفر طيره، ولا يترك الكافر فيه. ومن عجيب خواص الحرم ان الذئب يتبع الظبي، فإذا دخل الحرم كف عنه! وأما المسجد الحرام فأول من بناه عمر بن الخطاب في ولايته، والناس ضيقوا على الكعبة، وألصقوا دورهم بها فقال عمر: إن الكعبة بيت الله ولا بد لها من فناء. فاشترى تلك الدور وزادها فيه واتخذ للمسجد جدارًا نحو القامة، ثم زاد عثمان فيه، ثم زاد عبد الله بن الزبير في اتقانه، وجعل فيها عمدًا من الرخام وزاد في أبوابه وحسنه. ثم زاد عبد الملك بن مروان في ارتفاع حيطانها وحمل السواري إليها من مصر في الماء إلى جدة، ومن جدة إلى مكة على العجل، وأمر الحجاج فكساها الديباج، ثم الوليد بن عبد الملك زاد في حلى البيت لما فتح بلاد الأندلس، فوجد بطليطلة مائدة سليمان، ﵇، كانت من ذهب ولها أطواق من الياقوت والزبرجد، فضرب منها حلى الكعبة والميزاب، فالأولى المنصور وابنه المهدي زادوا في اتقان المسجد وتحسين هيئته، والآن طول المسجد الحرام ثلاثمائة ذراع وسبعون ذراعًا، وعرضه ثلاثمائة ذراع وخمس عشرة ذراعًا، وجميع أعمدة المسجد أربعمائة وأربعة وثلاثون

1 / 113