ما هو سر الصلاة ؟ وتمثيل لذلك وكان سر الصلاة ولبها إقبال القلب فيها على الله ، وحضوره بكليته بين يديه ، فإذا لم يقبل عليه واشتغل بغيره ولهى بحديث نفسه ، كان بمنزلة وافد وفد إلى باب الملك معتذرا من خطاياه وزلله مستمطرا سحائب جوده وكرمه ورحمته ، مستطعما له ما يقيت قلبه ، ليقوى به على القيام في خدمته ، فلما وصل إلى باب الملك ، ولم يبق إلا مناجته له ، التفت عن الملك وزاغ عنه يمينا وشمالا ، أو ولاه ظهره ، واشتغل عنه بأمقت شيء إلى الملك ، وأقله عنده قدرا عليه ، فآثره عليه ، وصيره قلبة قلبه ، ومحل توجهه ، وموضع سره ، وبعث غلمانه وخدمة ليقفوا في خدم طاعة الملك عوضا عنه ويعتذروا عنه ، وينوبوا عنه في الخدمة ، والملك يشاهد ذلك ويرى حاله مع هذا ، فكرم الملك وجوده وسعة بره وإحسانه تأبي أن يصرف عنه تلك الخدم والأتباع ، فيصيبه من رحمته وإحسانه ؛ لكن فرق بين قسمة الغنائم على أهل السهمان من الغانمين ، وبين الرضخ لمن لا سهم له : { ولكل درجات مما عملوا وليوفيهم أعمالهم وهم لا يظلمون }[الأحقاف :19] ، والله سبحانه وتعالى خلق هذا النوع الإنساني لنفسه واختصه له ، وخلق كل شيء له ، ومن أجله كما في الأثر الإلهي : " ابن آدم خلقتك لنفسي ، وخلقت كل شيء لك ، فبحقي عليك لا تشتغل بما خلقته لك عما خلقتك له " .
وفي أثر آخر : " ابن آدم خلقتك لنفسي فلا تلعب وتكفلت برزقك فلا تتعب ، ابن آدم اطلبني تجدني ، فإن وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فتك فاتك كل شيء ، وأنا أحب إليك من كل شيء".
وجعل سبحانه وتعالى الصلاة سببا موصلا إلى قربه ، ومناجاته ، ومحبته والأنس به .
صفحه ۷