في التنبيه على نكتة خفية من نكت السماع وفي السماع نكتة حقيقية أصلية يعرفها أهلها ، ويجدونها بعد انقضائه وهي أنه قد علم الذائقون منهم أنه ما وجد صادق في السماع الشعري وجدا ، وتحرك به إلا وجد بعد انقضائه ومفارقة المجلس قبضا على قلبه ، ونوع استيحاش ، وأحس ببعده وانقطاعا وظلمة ، ولا يتفطن لهذا الأمر إلا من في قلبه أدنى حياة وإلا : فما لجرح بميت إيلام ، ولو سئل عن سبب هذا لم يعرفه ؛ لأن قلبه مغمور في السماع وذوقه الباطل ؛ فهو غافل عن استخراج آلامه التي طرقته فيه ، وعن أسباب فساد القلب منه ، ولو وزنه بالميزان العدل لعلم من أين أتى ، فاسمع الآن السبب الذي لأجله نشأ منه هذا القبض ، وهذه الوحشة ، والبعد .
لما كان السماع الشعري أعلى أحواله أن يكون ممتزجا بحق وباطل ، ومركبا من شهوة وشبهة ، وأحسن أحوال صاحبه أن تأخذ الروح حظها المحمود منه ، ممتزجا بحظ النفس ، والشيطان والهوى فهو غير صاف ، ولا خالص ، فامتزج نصيب الصادق فيه من الرحمن بنصيب الشيطان ، واختلط حظ القلب بحظ النفس ، هذا أحسن أحواله ، فإنه مؤسس على حظ النفس والشيطان وهو فيه بذاته وهو نصيبه من الرحمن فهو فيه بالعرض ، لوم يوضع عليه ولا أسس عليه فاختلط في وادي القلب الماء اليسير الصافي بالماء الكثير الكدر ، وغلب الخبيث في الطيب ، أو تجاورا والتقت الواردات الرحمانية ، والواردات الشيطانية.
صفحه ۳۷