والعجب الثالث من هذا الشافعي أنه يتأول كل ما ذكر من نصوص الكتاب والسنة والمعقول والمنقول لأجل تصحيح قول صاحب الحاوي، ولعل الرجل لا يعتقد ذاك ولا يدين به، وإنما رواه لأن كتابه حوى أكثر ما قيل .. .. (¬1) ، ولذلك سماه ((الحاوي))، وكان تأويله لقول الرجل، ووقوفه مع ظواهر النصوص أولى، وكيف يقلد الإنسان قولا ما صح ولا ثبت، ولو صح وثبت كان معارضا بما ذكرنا وبغيره، ويجعله له عقيدة، وأصول عقيدته التي عليها بناء دينه ومعتقده بخلاف ذلك.
والعجب الرابع: أن الرجل طول عمره كلما صلى يقول في صلاته: ((السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين))، ولا يفهم معناه، أترى من هو الذي سلم على النبي صلى الله عليه وسلم سلام مواجهة، وعلى من رد صلى الله عليه وسلم بقوله: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، إن كان جبريل أو غيره ما كان يحسن أن يقول: السلام علينا؛ لأنه لا يكون ردا للسلام، ورد السلام واجب، ولا يحسن هذا القول إلا لله تعالى؛ لأنه هو السلام، ومنه السلام.
ثم إن جبريل كان ليلة الإسراء الركاب .. (¬2) والغلام الممسك بالركاب، فلما أوصله إلى سدرة المنتهى من عليه بأنه أراه الذي جاء معه، ومازال يتردد إلى خدمته، وأي معنى لقوله: يا جبريل أها هنا يفارق الحبيب حبيبه، لما أوصله إلى الحجاب الذي لا يقدر يجاوزه، فقال: {وما منا إلا له مقام معلوم}، والله ما وطئت هذا المكان قط لولا حرمتك، ولقد أعطاك الله شيئا ما أعطاه أحدا من الأولين والآخرين، لا ملك مقرب، ولا نبي مرسل، فأبشر واشكر الله، إنه يحب الشاكرين. وفقنا الله للحق وإياه وجميع المسلمين.
آخر الجزء، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد النبي وآله وصحبه أجمعين وسلم تسليما.
صفحه ۵۵۵