والعجب من هذا الشافعي -وفقه الله للصواب- أنه أثبت الرؤية للروح، ومنع من أنها رأت الحق، ولا خلاف بين أهل تأويل الرؤيا في جواز رؤية الأرواح الحق -سبحانه- في المنام، وقد ذكروا ذلك في كتبهم، وقد رأى الله في المنام الخلق العظيم، ولعلهم كانوا في رؤياهم أقرب إليه من قاب قوسين أو أدنى، .. (¬1) بالمصطفى صلى الله عليه وسلم مناما ما كان في ذلك كبير فضيلة له، ولا أنكره أحد من الكفار، ولا أفضى الأمر إلى ارتداد من ارتد، إذ لا مانع من رؤية منام في محل بعيد أو قريب.
وأما الكلام على ما رواه صاحب الحاوي عن عائشة فمن وجوه:
أحدها: أننا لا نسلم صحة الحديث عنها، ويلزم من احتج به تصحيحه، والدليل على أنه ليس بصحيح عن عائشة أن التفاسير كلها فيها مذكور أن مذهب عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى جبريل على صورته التي خلق عليها وله ستمائة جناح، فكيف يكون مضاجعا لها، وجسده عندها، والرؤية لجبريل ببصره عند سدرة المنتهى، فبطل هذا المذهب، وصحة ذلك عنها، ولا سيما وقد قالت: أنا أول الأمة سأل عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال: ((هو جبريل))، ولأن البخاري ومسلما رويا عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفي لفظ: أنه تزوجها وهي بنت ست، وأدخلت عليه وهي بنت تسع، ومكثت عنده تسعا، وفي لفظ بنى بها وهي بنت سبع، وأصله بنى عليها بيتا ثم دخل بها، فصار الدخول بمعنى ذلك، وإن لم يبن بيتا.
صفحه ۵۵۲