وبويع يزيد بن معاوية ، إذ مات أبوه ؛ يكنى أبا خالد . وامتنع عن بيعته الحسين ابن علي بن أبي طالب ، وعبد الله بن الزبير بن العوام . فأما الحسين عليه السلام والرحمة فنهض إلى الكوفة فقتل قبل دخولها . وهو ثالثة مصائب الإسلام بعد أمير المؤمنين عثمان ، أو رابعها بعد عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وخرومه ، لأن المسلمين استضيموا في قتله ظلما علانية . وأما عبد الله بن الزبير فاستجار بمكة ، فبقي هنالك إلى أن أغزى يزيد الجيوش إلى المدينة ، حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإلى مكة ، حرم الله تعالى ، فقتل بقايا المهاجرين والأنصار يوم الحرة . وهي أيضا أكبر مصائب الإسلام وخرومه ، لأن أفاضل المسلمين وبقية الصحابة وخيار المسلمين من جلة التابعين قتلوا جهرا ظلما في الحرب وصبرا . وجالت الخيل في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وراثت وبالت في الروضة بين القبر والمنبر ، ولم تصل جماعة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا كان فيه أحد ، حاشا سعيد بن المسيب فإنه لم يفارق المسجد ؛ ولولا شهادة عمرو بن عثمان بن عفان ، ومروان بن الحكم عند مجرم بن عقبة المري بأنه مجنون لقتله . وأكره الناس على أن يبايعوا يزيد بن معاوية على أنهم عبيد له ، إن شاء باع ، وإن شاء أعتق ؛ وذكر له بعضهم البيعة على حكم القرآن وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأمر بقتله فضرب عنقه صبرا . وهتك مسرف أو مجرم الإسلام هتكا ، وأنهب المدينة ثلاثا ، واستخف بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومدت الأيدي إليهم وانتهبت دورهم ؛ وانتقل هؤلاء إلى مكة شرفها الله تعالى ، فحوصرت ، ورمي البيت بحجارة المنجنيق ، تولى ذلك الحصين بن نمير السكوني في جيوش أهل الشام ، وذلك لأن مجرم بن عقبة المري ، مات بعد وقعة الحرة بثلاث ليال ، وولي مكانه الحصين بن نمير . وأخذ الله تعالى يزيد أخذ عزيز مقتدر ، فمات بعد الحرة بأقل من ثلاثة أشهر وأزيد من شهرين . وانصرفت الجيوش عن مكة . ومات يزيد في نصف ربيع الأول سنة أربع وستين ، وله نيف وثلاثون سنة ( 1 ) . أمه : ميسون بنت بحدل الكلبية ، وكانت مدته ثلاث سنين وثمانية أشهر وأياما فقط .
ولاية ابنه معاوية بن يزيد
ثم بويع أبو ليلى معاوية بن يزيد بن معاوية ، فبقي نحو أربعين يوما ، ثم رأى صعوبة الأمر ، وكان رجلا صالحا ، فتبرأ عن الأمر ، وانخلع ، ولزم بيته ، ومات رحمه الله ، إلى أيام ( 2 ) ، نحو أربعين يوما ، وسنه عشرون سنة . أمه : أم خالد بنت أبي هاشم بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف .
ولاية عبد الله بن الزبير بمكة
صفحه ۱۴۱