1 - لما مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى الناس عليه أفذاذا دون إمام ، وتولى أمور المسلمين خليفته أبو بكر الصديق ، رضي الله عنه ، واسمه : عبد الله ، فولي الخلافة سنتين وثلاثة أشهر وثمانية أيام . وتوفي ، رضي الله عنه ، وله ثلاث وستون سنة . وكان أبوه وأمه مسلمين ، وأمه هي أم الخير [ سلمى ] بنت صخر بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة . وهو الذي حارب أهل الردة ، وقتل مسيلمة وأغزى الجيوش إلى الشام لقتال الروم وإلى العراق لقتال الفرس . وقبره مع قبر رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، في بيت عائشة أم المؤمنين ، رضي الله عنها ، وهو الآن داخل المسجد . 2 - ثم استخلف أبو بكر عمر بن الخطاب أبا حفص فولي عشر سنين وستة أشهر وخمسة عشر يوما . ثم قتل ، رضي الله عنه ، غيلة وهو في صلاة الصبح ، طعنه أبو لؤلؤة ، مجوسي فارسي ، غلام المغيرة بن شعبة . عاش ثلاثة أيام ومات ، رضي الله عنه ، وقبره مع قبر رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، وقبر أبي بكر . وفي أيام عمر فتحت الشام كلها ، وجميع أعمال مصر ، وأعمال السواد ، وبعض فارس وأصبهان والري والأهواز والجزيرة وأذربيجان وديار مضر وديار ربيعة . وبنيت البصرة والكوفة والفسطاط قاعدة أرض مصر . 3 - ثم ولي الخلافة عثمان أبو عمرو بن عفان ، اثنتي عشرة سنة ثم قتل صبرا ، رضي الله عنه . وفي أيامه فتحت اصطخر من فارس وكرمان وسجستان وخراسان - ما دون النهر منها - وأرمينية وغرب أفريقية ، وقبره ، رضي الله عنه ، في طرف البقيع . 4 - ثم ولي الخلافة أبو الحسن علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه ، فاضطربت عليه الأمور ، ولم يبايعه جمهور الصحابة ، رضي الله عنهم ، وخالف عليه معاوية بالشام وكانت وقعة الجمل بالبصرة ، قتل فيها طلحة والزبير ، رضي الله عن جميعهم ، وكانا مع عائشة رضي الله عنها . وكانت وقعة صفين بالشام ، وقتل الخوارج بالنهروان ، وافترقت كلمة الإسلام ، وافترقت الطائفة القائمة على عثمان ، رضي الله عنه ، فرقتين : خوارج وشيعة غالية وغير غالية ، وكل لا خير فيه . وكانت ولاية علي بالكوفة خمس سنين غير ثلاثة أشهر . وقتل ، رضي الله عنه ، غيلة وهو داخل المسجد لصلاة الصبح ، ضربه عبد الرحمن بن ملجم المرادي - من الخوارج - ضربة مات منها بعد ثلاثة أيام . وقبره بالغري عند الكوفة . 5 - ثم ولي الخلافة ابنه أبو محمد الحسن بن علي ، أمه فاطمة بنت رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، فولي ستة أشهر ثم انحل عن الخلافة طوعا وسلم الأمر إلى معاوية . وقبر الحسن ، رضي الله عنه ، بالبقيع بالمدينة ، وله تسع وأربعون سنة . 6 - فولي الخلافة أبو عبد الرحمن معاوية بن أبي سفيان ، وأجمع عليه جميع المسلمين . وكان كاتبا لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الوحي وغير ذلك . فأقام خليفة عشرين سنة غير أربعة أشهر . ومات ، رضي الله ، وله خمس وسبعون سنة . وفي أيامه فتحت افريقية كلها ، وسكنها المسلمون ، وبنيت القيروان ، ونزل ابنه يزيد بالجيش على القسطنطينية ، فحاصرها مدة ، ومات هنالك أبو أيوب خالد بن زيد الأنصاري ، رضي الله عنه - صاحب رحل رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، ودفن هناك . وقبر معاوية بدمشق . 7 - ثم ولي ابنه أبو خالد يزيد بن معاوية ثلاث سنين وثلاثة أشهر . واضطربت الأمور ، ونهض الحسين بن علي ، رضي الله عنهما ، إلى الكوفة ، وقتل هنالك . وخالفه أهل المدينة ، وكانت وقعة الحرة التي قتل فيها خيار الناس . وحاصر عبد الله بن الزبير ، رضي الله عنه ، بمكة ، ثم مات ( 1 ) . 8 - وولي الخلافة أبو بكر عبد الله بن الزبير بمكة تسعة أعوام وثلاثة أشهر . وقام عليه بالأردن مروان بن الحكم بن أبي العاصي بن أمية بن عبد شمس فغلب على الشام ومصر . ثم مات مروان وقام مقامه ابنه عبد الملك ، ووجه الحجاج لحصار ابن الزبير بمكة . فحاصره مدة . ثم قتل ابن الزبير ، رضي الله عنه ، داخل المسجد الحرام مقبلا غير مدبر ، وله ثلاث وسبعون سنة . 9 - فولي أبو الوليد عبد الملك بن مروان ، فاجتمع عليه المسلمون ، فولي ثلاث عشرة سنة . ثم مات ، وله ثنتان وخمسون سنة ، وقبره بدمشق . وفي أيامه زاد التفرق ، وظهر الإرجاء ، وإنكار القدر . 10 - فولي مكانه أبو العباس الوليد بن عبد الملك . ففي أيامه فتحت السند والأندلس وما وراء النهر من خراسان وكانت ولايته تسع سنين وسبعة أشهر . وكان سكناه دمشق . 11 - ثم ولي الخلافة أخوه أبو أيوب سليمان بن عبد الملك ، فأغزى أخاه مسلمة بن عبد الملك إلى القسطنطينية ، فحاصرها حتى أشرف على أخذها . ومات سليمان ، رحمه الله ، وكانت ولايته عامين وتسعة أشهر وخمسة أيام . وكان سكناه بالرملة قرب بيت المقدس . 12 - فولي بعده ابن عمه أبو حفص عمر بن عبد العزيز بن مروان ، رضي الله عنه ، وكان غاية في العدل والخير . وكانت ولايته عامين وخمسة أيام . وكان سكناه بخناصرة من أرض حمص . وهنالك قبره معروف . 13 - ثم ولي بعده أبو خالد يزيد بن عبد الملك أربعة أعوام وشهرا ، وكان مائلا إلى اللذات . وكان سكناه بالبخراء من أرض حمص . 14 - ثم ولي بعده أخوه أبو الوليد هشام بن عبد الملك تسعة عشر عاما وعشرة أشهر غير أيام . وكان سكناه بالرصافة بقرب الرقة . 15 - ثم ولي بعده ابن أخيه أبو العباس الوليد بن يزيد وكان خليعا ماجنا . ثم قتل بعد سنة وشهرين . وكان سكناه حيث سكن أبوه . 16 - ثم ولي بعده ابن عمه أبو خالد يزيد بن الوليد ، وهو القائم على الوليد المذكور . وكان يزيد غاية في الزهد والعدل . فولي ستة أشهر ومات بدمشق . 17 - فولي بعده أخوه أبو إسحاق إبراهيم بن الوليد الخليع . 18 - وولي أبو عبد الملك مروان بن محمد بن مروان بن الحكم ، فكانت ولايته خمس سنين وشهرا واحدا . واضطربت عليه الأمور من أول ولايته حتى قام عليه أبو مسلم الخراساني بدعوة بني العباس فقتل مروان ببوصير من أرض مصر ، مقبلا غير مدبر وسيفه بيده يضارب به حتى سقط . 19 - وولي أبو العباس وهو عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب فكانت ولايته أربع سنين وثمانية أشهر واياما ، وكان سكناه بالأنبار . وفي أيامه تفرقت الجماعة . فخرج عن طاعته من ما بين تاهرت وطبنة إلى بلاد السودان وجميع الأندلس . وتغلبت على هذه البلاد طوائف من خوارج وجماعية ، وضعفت دولة العرب وأجنادها . 20 - فولي بعده أخوه أبو جعفر المنصور عبد الله بن محمد عشرين سنة كاملة ( 1 ) . وهو بنى بغداد ، ومات محرما بالحج بمكة ودفن ببئر ميمون . 21 - فولي بعده ابنه : أبو عبد الله المهدي محمد بن أبي جعفر عشر سنين وأشهرا ، وكان مقامه بعيساباذ من عمل السواد . 22 - فولي بعده ابنه أبو محمد موسى الهادي سنة واحدة وشهرين ، وكان مقامه بموساباذ من عمل السواد . 23 - فولي بعده أخوه أبو جعفر هارون الرشيد ثلاثا وعشرين سنة وشهرا ، وهو آخر خليفة حج بالناس في خلافته . وكان مقامه بالحيرة وبغداد ( 2 ) . وقبره بطوس من خراسان . 24 - وولي بعده ابنه أبو عبد الله الأمين أربع سنين وأشهرا إلى أن قتل ببغداد . 25 - وولي بعده أخوه أبو العباس عبد الله المأمون ، وهو بخراسان ، ثم رحل إلى بغداد . وكانت ولايته عشرين سنة وأشهرا . ومات بأرض الروم ، وقبره بطرسوس . 26 - ثم ولي بعده أخوه أبو إسحاق محمد المعتصم بالله ثمانية أعوام وثمانية أشهر وثمانية أيام . وهو قتل بابك الخرمي القائم بملة المجوس بطبرستان ، وهو آخر خليفة غزا دار الحرب بنفسه . وكان سكناه ' سر من رأى ' . وهو أول من تجند بالعبيد ، وضعف أجناد الأحرار . 27 - ثم ولي ابنه أبو جعفر هارون الواثق بالله خمس سنين وثمانية أشهر . 28 - ثم ولي بعده أخوه أبو الفضل جعفر المتوكل على الله خمسة عشر عاما غير شهرين ، إلى أن قتله عبيد أبيه الأتراك بأمر ابنه المنتصر . 29 - ثم ولي ابنه أبو عبد الله محمد المنتصر قاتل أبيه ، فكانت ولايته ستة أشهر . 30 - ثم ولي بعده ابن عمه لحا أبو العباس المستعين بالله أحمد بن محمد المعتصم أربع سنين غير ثلاثة أشهر . ثم خلع ثم قتل . وهؤلاء كلهم حجوا قبل الخلافة . 31 - ثم ولي ابن عمه أبو عبد الله المعتز بالله محمد بن المتوكل أربع سنين غير خمسة أشهر ثم خلع وقتل ، ولم يحج قط . 32 - ثم ولي ابن عمه أبو عبد الله المهتدي بالله بن الواثق . وكان ناسكا فاضلا ، فكانت مدته ، رحمة الله عليه ، إلى أن خلع وقتل : أحد عشر شهرا . وحج قبل الخلافة . 33 - ثم ولي ابن عمه أبو العباس المعتمد على الله أحمد بن المتوكل ثلاثا وعشرين سنة . وكان ناقصا متخلفا متغلبا عليه . وكان مع ذلك فصيحا خطيبا . ثم مات ولم يكن له مستقر ، كان أخوه أبو أحمد الموفق ينقله من موضع إلى موضع . وحج قبل الخلافة . 34 - ثم ولي ابن أخيه أبو العباس المعتضد بالله أحمد بن أبي أحمد الموفق طلحة بن المتوكل عشر سنين غير شهرين . وفي أيامه ظهرت القرامطة ودعوة الباطنية في بلاد الإسلام واستولوا على البحرين وبعض اليمن . ولم يحج قط ، ولا غزا دار الحرب ، لا هو ولا من كان بعده ، ورجع إلى بغداد وعطل سر من رأى . 35 - وولي بعده ابنه أبو محمد علي المكتفي بالله خمس سنين وسبعة أشهر . 36 - ثم ولي أخوه أبو الفضل جعفر المقتدر بالله . وفي أيامه غلب الباطنية ، لعنهم الله ، على افريقية ، وأخذ القرامطة ، لعنهم الله ، مكة ، وقلعوا الحجر الأسود وحملوه إلى الإحساء ، وأقام عندهم اثنين وعشرين عاما كاملة ، ثم ردوه بقوة الله عز وجل ، فابتدأت دولة الخلافة والإسلام تضعف ، وإنا لله وإنا إليه راجعون . وكل من كان قبله من الخلفاء : صلوا بالناس ، إلا هو فلم يصل بالناس قط . وكان ملازما للنساء واللذات ، مهملا للأمور إلى أن قتل . وكانت مدة ولايته خمسا وعشرين سنة غير عشرين يوما . 37 - ثم ولي أخوه أبو منصور محمد القاهر بن المعتضد سنة واحدة وستة أشهر . ثم خلع وسملت عيناه ، وبقي كذلك نحو ستة عشر عاما إلى أن مات سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة . ولم يصل بالناس قط . 38 - وولي - حين خلعه - ابن أخته أبو العباس الراضي بالله محمد بن المقتدر سبع سنين غير أيام . وصلى بالناس مرتين فقط ، ولم يصل بالناس خليفة بعده . وفي أيامه بطل حد الخلافة كله ، وتغلب عليه وعلى كل من ولي بعده - وإنا لله وإنا إليه راجعون - ومات على فراشه . 39 - وولي بعد أخوه أبو إسحق إبراهيم المتقي لله بن المقتدر أربع سنين غير شهر . وكان متكرما متصاونا عما لا يحل . ثم خلع وسملت عيناه وعاش كذلك نحوا من أربع عشرة سنة إلى أن مات سنة ثلاث وأربعين وثلاثمائة . 40 - وولي مكانه إذ خلع ابن عمه أبو القاسم عبد الله المستكفي بن المكتفي سنة واحدة وخمسة أشهر . ثم خلع وسملت عيناه ، وبقي كذلك نحو خمسة أعوام إلى أن مات سنة تسع وأربعين وثلاثمائة . 41 - وولي مكانه إذ خلع ابن عمه أبو القاسم الفضل المطيع بن المقتدر ، فاتصلت ولايته ثلاثين سنة متغلبا عليه ، ولا ينفذ له أمر إلى أن خلع نفسه طائعا مختارا لذلك وهو عليل مثبت العلة ، لابنه أبي بكر عبد الكريم الطائع لله . ومات على فراشه بعد أربعين يوما من ولاية ابنه . وفي أيام المطيع غلبت الباطنية على مصر والشام ومكة والمدينة ، وإنا لله وإنا إليه راجعون . وظهر الرفض ودين الغالية في أعمال فارس والري وما والاها . 42 - وولي إذ خلع نفسه ابنه أبو بكر عبد الكريم الطائع لله ، فدامت ولايته ست عشرة سنة . ثم خلع وسملت عيناه وعاش كذلك عشرين سنة إلى أن مات سنة أربعمائة . 43 - وولي إذ خلع ابن عمه أبو العباس أحمد القادر بالله بن إسحاق بن المقتدر ، فاتصلت ولايته ثلاثا وأربعين سنة ، لم يعش هذه المدة خليفة في الإسلام غيره . وكانت سنوه إذ مات ثلاثا وتسعين سنة ، مائة غير سبع سنين . 44 - ثم ولي بعده ابنه أبو جعفر القائم بالله ، وهو الخليفة الآن ( 1 ) ، وهو مغلوب عليه لا يظهر ولا ينفذ له أمر إلا في بعض الأحوال في ولاية القضاة واصحاب الصلاة فقط ، وإنا لله وإنا إليه راجعون ( 2 ) . ونسأل الله أن يعطف على المسلمين بجمع الكلمة ، وخلافة حق يظهر تعالى بها ما دثر من حكم الكتاب والسنة ، ويعلي بها النصر على الكفار ، آمين يا رب العالمين . تم الكتاب المحلى [ كذا ] والحمد لله كثيرا ، وصلى الله على سيدنا محمد عبده ورسوله وسلم تسليما كثيرا .
صفحه ۱۶۷