Asl al-Zarari Sharh Sahih al-Bukhari - Manuscript
أصل الزراري شرح صحيح البخاري - مخطوط
ناشر
عطاءات العلم - موسوعة صحيح البخاري
محل انتشار
https
ژانرها
(ابن صُرَد)؛ بضمِّ الصاد المهملة، وفتح الراء، بعدها دال مهملات، من أفاضل الصحابة، الخزاعي الصحابي ابن الصحابي، سكن الكوفة أول ما نزل بها المسلمون، خرج أميرًا في أربعة آلاف يطالبون (^١) بدم الحسين ﵁ سموا: بالتوابيين، وهو أميرهم، فقتله عسكر عبيد الله بن زياد بالجزيرة سنة خمس وستين (قال: حدثني) بالإفراد (جُبَيْر)؛ بضمِّ الجيم، وفتح الموحدة، وسكون التحتية، آخره راء (بن مُطعِم)؛ بلفظ الفاعل من الإطعام، القرشي النوفلي من سادات قريش، مات بالمدينة سنة أربع وخمسين (قال) أي: جبير (قال رسول الله ﷺ: «أمَّا»)؛ بفتح الهمزة، وتشديد الميم، حرف شرط وتفصيل وتوكيد، والدليل على الشرط لزوم الفاعل بعدها؛ نحو قوله تعالى: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ﴾ [البقرة: ٢٦]، والتفصيل نحو قوله تعالى: ﴿أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ﴾ [الكهف: ٧٩]، ﴿وَأَمَّا الغُلامُ﴾ [الكهف: ٨٠]، ﴿وَأَمَّا الجِدَارُ﴾ [الكهف: ٨٢]، وأمَّا التوكيد؛ فقد ذكره جار الله الزمخشري، فإنَّه قال: (فائدة: «أمَّا» في الكلام للتوكيد، تقول: زيد ذاهب، فإذا قصدت ذلك، وأنَّه -لا محالة- ذاهب، وأنَّه بصدد الذهاب، وأنَّه منه عزيمة).
قلت: أمَّا زيد؛ فذاهب، وههنا هي أيضًا للتأكيد، فإذا كانت للتأكيد؛ فلا يحتاج إلى التقسيم، ولا يحتاج أن يقال: إنَّه محذوف، كذا حققه في «عمدة القاري».
وزعم الكرماني: أنَّ (أمَّا) للتفصيل، فأين قسيمه؟
قلت: اقتضاء التقسيم غير واجب، ولئن سلمنا؛ فهو محذوف يدل عليه السياق، روى مسلم في «صحيحه»: أنَّ الصحابة تماروا في صفة الغسل عند رسول الله ﷺ، فقال ﷺ: «أمَّا أنا؛ فأفيض»؛ أي: وأمَّا غيري؛ فلا يفيض، أو فلا أعلم حاله كيف يعمل.
ورده في «عمدة القاري» بأنَّه كلام من غير تحقيق، والتحقيق ما قدمناه، وأمَّا الذي رواه مسلم؛ فإنَّه من طريق أبي الأحوص، عن أبي إسحاق: تماروا في الغسل عند رسول الله ﷺ، فقال بعض القوم: (أمَّا أنا؛ فاغسل رأسي بكذا وكذا...)؛ فذكر الحديث.
وقال بعضهم: هذا هو القسيم المحذوف.
قلت: لا يحتاج إلى هذا؛ لأنَّ الواجب أن يعطى حق كل كلام بما يقتضيه الحال، فلا يحتاج إلى تقدير شيء من حديث روي من طريق لأجل حديث آخر في باب من طريق آخر) انتهى كلام «عمدة القاري».
والمراد بقوله: (بعضهم): ابن حجر، فإنَّه تبع الكرماني في ذلك، ولا يخفى ما في كلامهما من عدم الاحتياج إليه؛ لأنَّه متعسف كما علمت (أنا فأُفيض)؛ بضمِّ الهمزة من الإفاضة؛ وهي الإسالة (على رأسي ثلاثًا)؛ أي: ثلاث أكف، وهكذا في رواية مسلم؛ والمعنى: ثلاث حفنات؛ كل واحدة منهن بملء الكفين، ويدل عليه ما رواه أحمد في «مسنده»: (فآخذ ملء كفي، فأصب على رأسي).
وما رواه أيضًا عن أبي هريرة: (كان رسول الله ﷺ يصب بيديه على رأسه ثلاثًا)، وفي «معجم الإسماعيلي»: أنَّ وفد ثَقيف سألوا رسول الله ﷺ فقالوا: إنَّ أرضنا باردة، فكيف نفعل في الغسل؟ فقال: «أمَّا أنا؛ فأفرغ على رأسي ثلاثًا»، وفي «الأوسط» للطبراني مرفوعًا: «تفرغ بيمينك على شمالك، ثم تدخل يدك في الإناء، فتغسل فرجك، وما أصابك، ثم تتوضأ وضوءك للصلاة، ثم تفرغ على رأسك ثلاث مرات تدلك رأسك كل مرة»، وقال الداودي: (الحفنة باليد الواحدة)، وقال غيره: باليدين جميعًا، والحديث المذكور يدل عليه، والحفنة باليد الواحدة، وبما ذكرنا سقط قول بعضهم: إنَّ لفظة (ثلاثًا) محتملة للتكرار، ومحتملة أن تكون للتوزيع على جميع البدن، كذا قرره صاحب «عمدة القاري».
قلت: وقوله: (بعضهم): المراد به: ابن حجر، فإنَّه ذكر في «شرحه» الاحتمالين، والذي دلت عليه الأحاديث إنَّما هو التكرار لا التوزيع، فإنَّ حديث الطبراني المتقدم صريح في الدلالة على التكرار فقط، فاحتمال التوزيع بعيد جدًّا، كما لا يخفى.
وزعم العجلوني (أنَّ السياق أشعر أنَّه ﵇ لا يفيض إلَّا ثلاثًا، وأنَّ غيره المذكور كان يفيض أكثر منها أو أقل) انتهى.
قلت: وليس كذلك، فإنَّ السياق مشعر بأنَّه ﵇ كان يفيض ثلاثًا فقط، وقوله: (وإنَّ غيره...) إلخ هذا ليس يفهم من الحديث أصلًا، فإنَّ معنى (أمَّا) التأكيد، كما علمت، ويدل لهذا ما تقدم عند أحمد، والإسماعيلي، والطبراني، فإنَّه يدل على أنَّه لا يشعر الحديث بما ادَّعاه، ورواية مسلم السابقة لا تدل على ما ادَّعاه أيضًا؛ لأنَّ المراد من قول بعض القوم (أمَّا أنا...) إلخ غسل الرأس فقط بدون إفاضة عليه وعلى جميع البدن، فهو خاص بالرأس، فعمَّم لهم ﵇ بأنَّه يفيض على رأسه ثلاثًا وعلى سائر بدنه وهذا ظاهر، كما لا يخفى.
وقوله: (وأشار) أي: النبيُّ الأعظم ﷺ (بيديه) الشريفتين بلفظ التثنية (كلتيهما) من كلام جبير بن مطعم، وفي رواية الكشميهني: (كلاهما)، وحكى ابن التين في بعض الروايات: (كلتاهما)، والأولى رواية الأكثرين.
قال صاحب «عمدة القاري»: كون كلتا وكلا عند إضافتهما إلى المضمر في الأحوال الثلاثة بالألف لغة من يراها تثنية، وأنَّ التثنية لا تتعين، كما في قول الشاعر:
إنَّ أباها وأبا أباها... . . . . . . . . .
وأمَّا وجه رواية الكشمهني: (كلاهما)؛ بدون الياء؛ فبالنظر إلى اللفظ دون المعنى)؛ انتهى.
وزعم ابن حجر: أنَّه يجوز الرفع فيها على القطع.
قلت: وهو فاسد، فإنَّ النحاة صرَّحوا بأنَّ ألفاظ التوكيد لا يجوز قطعها، بخلاف النعوت، فإنَّها يجوز فيها القطع إذا علم المنعوت، وهنا ليس كذلك؛ فافهم، وتمامه في «إيضاح المرام» فيما وقع في «الفتح» من الأوهام؛ فيراجع.
قال في «عمدة القاري»: (ويستنبط من الحديث: أنَّه يكون الغسل ثلاث مرات، وعليه إجماع العلماء، وأمَّا الفرض فيه؛ فغسل سائر البدن بالإجماع، وفي المضمضة والاستنشاق خلاف، والجمهور على أنَّهما فرضان)، وقال النووي: (لا نعلم خلافًا في استحباب التكرار في الغسل إلا ما تفرد به الماوردي، وهو شاذٌّ، ورد عليه: بأنَّ أبا علي السنجي قاله أيضًا، ذكره في «شرح الفروع»، فلم يتفرد به، وتمامه فيه).
قلت: وقال علماؤنا: ثم يفيض الماء باديًا بالصبِّ على رأسه ثلاثًا مستوعبات، ويفيض الماء على سائر بدنه ثلاثًا يستوعب الجسد بكل واحدة منها، وهو سنة؛ للحديث، فإن لم يستوعب في كل واحدة؛ لم تحصل سنة التثليث، والأولى فرض، والثنتان بعدها سنتان على الصحيح كما في «الهندية»، و«السراج».
وقال في «الجوهرة»: (الثنتان سنة على الصحيح حتى لو لم يحصل بالثلاث استيعاب؛ يجب أن يغسل مرة بعد أخرى حتى يحصل، وإلا؛ فلم يخرج عن الجنابة، كما في «مجمع الأنَهر»، وما علمت من أنَّه يبتدأ بالرأس هو ما مشى عليه الإمام أبو الحسن القدوري، وهو ظاهر الرواية عن الإمام الأعظم، وهو الأصح؛ كما في أكثر المعتبرات، وهو ظاهر الأحاديث الصحيحة، وتمامه في «منهل الطلاب»، والله تعالى يلهمنا الصواب).
[حديث: كان النبي ﷺ يفرغ على رأسه ثلاثًا]
٢٥٥ - وبه قال: (حدثنا) وفي رواية: (حدثني)؛ بالإفراد (محمَّد بن بَشَّار)؛ بفتح الموحدة، وتشديد الشين المعجمة، الملقب ببندار، قال في «عمدة القاري»: (وليس في «الصحيحين» محمَّد بن بشار غيره، وضبط بعضهم له بالمثناة، والسين المهملة؛ فخطأ ظاهر؛ فليحفظ) (قال: حدثنا غُنْدَر)؛ بضمِّ الغين المعجمة، وسكون النون، وفتح الدال المهملة على الأصح، واسمه: محمَّد بن جعفر البصري، وكان شعبة زوج أمه (قال: حدثنا شعبة): هو ابن الحجاج، (عن مُخَوَّل)؛ بلفظ اسم المفعول من التخويل؛ بالخاء المعجمة، ويروى: بكسر الميم، وسكون الخاء المعجمة، وهاتان الروايتان عن أبي ذر، ورواية الأكثرين: بكسر الميم، ورواية ابن عساكر: بضمِّ الميم، ابن راشد -بالشين المعجمة- النهدي -بالنون-
(^١) في الأصل: (يطلبون)، ولعل المثبت هو الصواب.
الكوفي، روى له الجماعة، وليس له في «البخاري» غير هذا الحديث، وهو عزيز، كذا في «عمدة القاري»، (عن محمَّد بن علي): هو أبو جعفر الملقب بالباقر، (عن جابر بن عبد الله): الصحابي الجليل ﵁ أنه (قال: كان النبيُّ) الأعظم ﷺ يُفرِغ)؛ بضمِّ المثناة التحتية، آخره غين معجمة: مضارع أفرغ من الإفراغ؛ أي: يصب (على رأسه ثلاثًا)؛ أي: ثلاث غرفات وزاد، وفي رواية الإسماعيلي: (قال: أظنه من غسل الجنابة)، وفيه: فقال رجل من بني هاشم: إن شعري كثير، فقال جابر: شعر رسول الله ﷺ كان أكثر من شعرك وأطيب، وفي الحديث: دلالة على ملازمة النبيِّ ﷺ على الصب ثلاثًا في الغسل؛ لأنَّ لفظة (كان) تدل على الاستمرار، وفيه: دلالة على فضل جابر ﵁؛ حيث إنه يلازمه حتى حين غسله ﵇.
[حديث: كان النبي ﷺ يأخذ ثلاثة أكف ويفيضها على رأسه]
٢٥٦ - وبه قال: (حدثنا أبو نُعيم)؛ بضمِّ النون: هو الفضل بن دكين؛ بالدال المهملة (قال: حدثنا مَعْمَر)؛ بفتح الميم، وسكون العين المهملة في أكثر الروايات، وبه جزم الحافظ المزِّيُّ، وفي رواية القابسي: بضمِّ الميم الأولى، وتشديد الميم الثانية على وزن (مُحَمَّد)، وبه جزم الحاكم (بن يحيى بن سام)؛ بالسين المهملة، وتخفيف الميم، وقد ينسب إلى جده، فيقال: معمر ابن سام، وليس له في «البخاري» إلا هذا الحديث، وقول القسطلاني والعجلوني: وجوَّز الغساني الوجهين؛ لا معنى له بعد ثبوت رواية الأكثرين ورواية القابسي، فإذا كانت الروايتان ثابتتين؛ فما معنى جواز الوجهين، فإنَّ الحافظ المزِّيَّ لا ينكر رواية القابسي؛ بل يسلمها، لكن رواية الأكثرين عنده أرجح، وكذلك الحاكم لا ينكر الرواية الأولى، ولكن عنده الثانية أرجح؛ فافهم.
(قال: حدثني)؛ بالإفراد، وللأَصيلي: بالجمع (أبو جعفر): هو محمَّد بن علي الباقر، (قال) أي: أبو جعفر (قال لي جابر) زاد الأَصيلي: (ابن عبد الله): (أتاني ابن عمك)؛ أي: ابن عم أبيك علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، ففيه مسامحة؛ لأنَّ الحسن هو ابن عم أبيه لابن عمه؛ فافهم.
(يعرِّض): جملة وقعت حالًا من (جابر)، والتعريض خلاف التصريح من حيث اللغة، ومن حيث الاصطلاح: هو عبارة عن كناية مسوقة لأجل موصوف غير مذكور، وقال في «الكشاف»: (التعريض أن يذكر شيئًا يدل به على شيء لم يذكره)، كذا في «عمدة القاري» (بالحسن): وسقطت الموحدة من أوله لابن عساكر (بن محمَّد ابن الحَنفية)؛ بالحاء المهملة، واسمها: خولة بنت جعفر، تزوجها علي بن أبي طالب بعد فاطمة الزهراء، فولدت له محمَّدًا هذا، فاشتُهر بها ﵁ (قال) أي: الحسن بن محمَّد: (كيف الغُسل)؛ بضمِّ الغين المعجمة (من الجنابة؟)؛ أي: على أي كيفية يغتسل الجنب، قال في «عمدة القاري»: وههنا سؤال الحسن بن محمَّد عن جابر بن عبد الله عن كيفية الغسل من الجنابة، وفي الحديث المذكور قبل هذا الباب السؤال وقع عن جماعة بغير لفظ: «كيف»، ووقع جوابه هناك بقوله: «يكفيك صاع»، وههنا جوابه بقوله: «كان النبيُّ ﷺ يأخذ ثلاث أكف...» إلى آخره، والسؤال في الموضعين عن الكيفية غير أنه لم يذكر لفظ «كيف» هناك؛ اختصارًا، والجواب في الموضعين بالكمية؛ لأنَّ هناك قال: «يكفيك صاع»، وههنا قال: «ثلاثة أكف»، وكل منهما «كم»، وقول بعضهم: السؤال في الأول عن الكمية أشعر بذلك، قوله في الجواب: «يكفيك صاع» ليس كذلك؛ لأنَّه اغتر بظاهر قوله: «يكفيك الغسل»، وقد ذكرنا أن لفظة: «كيف» هناك مطوية؛ لأنَّ السؤال في الموضعين عن حالة الغسل وصفته بلفظ «كيف»؛ لأنَّها تدل على الحالة، فإن قلت: كيف يقول السؤال في الحالتين عن كيفية الغسل والجواب بالكمية؟ قلت: الحالة هي الكيفية، وللغسل حقيقة وحالة، فحقيقته: إسالة الماء على سائر البدن، وحالته: استعمال ماء نحو صاع أو ثلاثة أكف منه، ولم يكن السؤال عن حقيقة الغسل، وإنما كان عن حالة، فوقع الجواب بالكم في الموضعين؛ لأنَّ (كيف) و(كم) من العوارض المنحصرة في المقولات التسع، فطابق الجواب السؤال والنبيُّ ﷺ ما بعث لبيان الحقائق، وإنما بعث لبيان الأحكام، والأحكام من عوارض الحقائق) انتهى كلامه رحمه الله تعالى، (فقلت) هذا من كلام جابر للحسن المذكور: (كان النبيُّ) الأعظم ﷺ يأخذ ثلاثة أكف): هي رواية كريمة بالتاء، وفي رواية غيرها: (ثلاث أكف)؛ بغير التاء، و(أكف): جمع كف، والكف يذكر ويؤنث، فيجوز دخول التاء وتركها على الاعتبارين، كذا قاله إمام الشارحين في «عمدة القاري».
وزعم الكرماني: فإن قلت: الكف مؤنث، فلم دخلت التاء في الـ (ثلاثة)؟
قلت: المراد من الكف: قدر الكف وما فيها، فباعتباره دخلت أو باعتبار العضو، ورده في «عمدة القاري» فقال: (قلت: في الجواب الأول نظر، والثاني لا بأس به، والأحسن أن يقول...) إلى آخر ما علمت، ثم قال إمام الشارحين: (والمراد أن يأخذ في كل مرة كفين؛ لأنَّ الكف اسم جنس فيجوز حمله على الاثنين، والدليل عليه رواية إسحاق ابن راهويه من طريق حسن بن صالح، عن جعفر بن محمَّد، عن أبيه قال في آخر الحديث: «وبسط يديه»، ويؤيده حديث جبير بن مطعم الذي في أول الباب) انتهى؛ أي: فإنه أشار بيديه، فهو مقيد باليدين، فيحمل هذا المطلق على المقيد.
وزعم ابن حجر أنه يحتمل أن تكون هذه الغرفات الثلاث؛ للتكرار، ويحتمل أن تكون لكل جهة من الرأس غرفة؛ كما في حديث القاسم بن محمَّد الآتي.
قلت: إن أراد بقوله هذه الغرفات... إلى آخره أنه يأخذ في كل مرة كفًّا واحدًا؛ فممنوع؛ لأنَّه غير مفهوم من الحديث مع ما يدل على ذلك من رواية إسحاق وحديث جبير المتقدم، ويلزم من ذلك تفريق بين اليدين في الفرق، وهو ينافي قوله ويفيضها، فإن الإفاضة: الإسالة، وإذا رفع يده إلى رأسه؛ لا يبقى فيها شيء من الماء، ولا يحصل التعميم، كما لا يخفى، وإن أراد أنه يأخذ في كل مرة كفين كما قاله إمام الشارحين؛ فمسلَّمٌ، وإن أراد غير ذلك؛ فجوابه على الله تعالى.
وقوله: (ويحتمل أن تكون...) إلى آخره؛ ممنوع؛ لأنَّ ظاهر قوله: (ويفيضها) يقتضي أن يصبها على رأسه من غير ملاحظة جهة من الجهات؛ لأنَّ المراد التعميم، وبما ادَّعاه لا يحصل، فإن الصب في وسط الرأس هو الذي يحصل منه التعميم، كما لا يخفى.
وقوله: (كما في حديث القاسم...) إلى آخره: هذا لا يدل على ما ادَّعاه؛ لأنَّ لفظه أنَّه (فأخذ (^١) بكفه، فبدأ بشق رأسه الأيمن...) إلى آخر الحديث، فهو صريح في أنه أخذ بكفٍّ واحد، وهنا ليس كذلك، فكيف يدل على ما ادعاه؟ وكأنه أخذ الاحتمال الأول من هذا الحديث، وهو غير ظاهر كما لا يخفى، وما مثله إلَّا كمثل مَن غرق في بحر عظيم ولم يجد مسلكًا فتعلق بحبال العرمط وهي شرش شجر الصفصاف، ضعيف الحال، لا ينهض الضعيف وينقطع حالًا، والله يحسن الأحوال.
(فيفيضها)؛ بالفاء؛ أي: ثلاثة الأكف، وفي رواية بالواو؛ أي: يصب الماء (على رأسه) وفي بعض النسخ: بدون (على)، كذا في «عمدة القاري»، وكأنه لتضمنه معنى يوصل، (ثم يفيض)؛ أي: الماء بعد أن أفاض على رأسه.
فإن قلت: لم لا يكون مفعوله المحذوف: ثلاثة أكف، بقرينة عطفه عليه؟
قلت: لأنَّ
(^١) في الأصل: (أخذ)، والمثبت موافق لما في «الصحيح».
1 / 133