مشهورترین خطب و مشهورترین خطیبان
أشهر الخطب ومشاهير الخطباء
ژانرها
كان فكتور هيجو (1802-1885) من أكبر القوى الأدبية في فرنسا زاول الشعر فبذ الشعراء ومارس الخطابة فكان الثاني في حلبتها عند من يعدون ميرابو أولها في فرنسا. ونزع إلى الشهرة والصيت بين العامة فمارس السياسة وهجر الأدب فنال مبتغاه وفقد الأدب العالمي رجلا من أهل الكفايات فيه ظهرت بوادر أدبه في قصة «التعساء».
وقد ألقى الخطبة التالية في سنة 1778 بعد مرور ماية سنة على وفاة الكاتب الشهير فولتير، قال:
منذ ماية سنة مات رجل، ومات خالدا مثقلا بالسنين وبالأعمال وبأمجد التبعات وأكبرها ألا وهي تبعة تنوير ضمير الإنسان وتصحيحه، ومات تشيعه لعنات الماضي وبركات المستقبل وكلاهما من مفاخر المجد. مات بين هتاف أهل جيله وخلفهم وبين نعيب الماضي الذي لا يلين على أولئك الذين يجاهدونه. لقد كان أكبر من رجل، أجل إنه كان عصرا، لقد أتم عمله وأدى الرسالة التي اختارته لها الإرادة العليا التي تظهر في نظام القدر كما تظهر في نواميس الطبيعة، فإن الأربعة والثمانين العام التي قضاها في هذا العالم كانت جسرا بين صعود الملوكية وبزوغ فجر الثورة فقد ولد في عصر لويس الرابع عشر ومات في حكم لويس السادس عشر، فسطع على مهده ضوء العرش العظيم كما انتشرت على كفنه الأشعة الأولى من الهوة السحيقة.
فقد كانت أيام البلاط أعيادا وكانت فرساي زاهية وباريس في جهل وكان القضاة للتوحش الديني يحكمون بقتل الرجل المسن على الدواليب وبنزع لسان الطفل لأنه أنشد إحدى الأناشيد. ورأى فولتير هذه الهيئة النكدة النزقة وأدرك جميع القوى التي عبئت عليه من البلاط والأشراف والممولين وهذا السواد الأعمى من الشعب وهذه المحاكم التي تذل الرعية وتستذل للراعي فتسحق وتتملق وتجثو أمام الملك على رقاب الناس ثم هؤلاء القساوسة وهم أخلاط مناكيد لا يعرفون سوى النفاق والتعصب فأعلن عليهم الحرب وشن غارته على هذا التآلف المكون من المظالم الاجتماعية وعلى هذا العالم القوي العظيم.
فماذا كان سلاحه؟ كان ذلك السلاح الذي هو أخف من الريح ولكن له قوة الصواعق؛ أعني به القلم، فجاهد فولتير بهذا السلاح وظفر به، فلتحيا هذه الذكرى، لقد انتصر وهو فرد يحارب جموعا متألبة، وكانت حربه حربا بين العقل والمادة بل بين الرأي والهوى أثيرت دفاعا عن المحقين على المبطلين وعن المستضعفين على الظلمة الجائرين وكانت حرب الدفاع عن الخير والرحمة. وكانت في قلبه رقة النساء وغضب الأبطال، وكان هو عقلا كبيرا وقلبا عظيما، هزم القوانين القديمة ودمغ العقائد العتيقة.
إنه انتصر على أشراف الإقطاعات وعلى قضاة القوط وقساوسة الرومان ورفع العامة الرعاع إلى مقام الشعب، وكان يعلم وكان ينشر السلم وكان ينشر المدنية، وكان لا يعبأ بالتهديد أو السباب أو الاضطهاد أو مقالة السوء أو النفي. وكانت ابتسامته تدمغ العنف وكان يهزم الاستبداد بتهكمه ويعبث بالمغرورين ويثبت أمام المكابرين ويتغلب على الجهالة بالحق. (11) خطبة لكوشوث
في سنة 1848 شملت أوروبا أو كادت تشملها ثورة تختلف نزعة ومبادئ باختلاف المكان، فكانت في هنغاريا تنزع نحو استقلال البلاد، فأخذ المجريون في الاتحاد وكافحوا الاستبداد مكافحة الأبطال وأوشكوا أن يتغلبوا على النمسويين، فما هو أن أحست روسيا بنهوضهم وقرب انفكاكهم من قيد العبودية حتى خشيت على بنائها أن يتهدم في أثر هذه الحركة التي تصير عندئذ مثالا وقدوة للشعوب المغلوبة على أمرها في دولة القياصرة، فأرسلت جموعها إلى النمسا وشدت أزرها فأخمدت ثورة المجر، وعادت هنغاريا في قيد الاستعباد ولكن لم تمض عشرون سنة حتى نالت استقلالها وصارت شريكة في مملكة «النمسا والمجر».
وكان زعيم الثورة في سنة 1848 رجل يدعى كوشوث وقف حياته على استقلال بلاده وأرصد جهوده لتخليصها من نير النمسويين، فلما تألب الاستبداد وعقد الروسيون والنمسويون الخناصر على خنق حرية المجر وغمروهم بجيوشها فر إلى تركيا، فكان كالمستجير من الرمضاء بالنار فقبض عليه الأتراك وسجنوه بدسائس السياسة النمسوية، وقضى سنوات يكابد عذاب السجن في الأناضول حتى تحرك الرأي العام في إنجلترا والولايات المتحدة وطلب الإفراج عنه فسعى سفيرا هاتين الدولتين حتى أطلق سراحه فقضى سائر ما بقي له من العمر فيهما. وكان يخطب ويدعو إلى نصرة بلاده، وقد ألقى الخطبة التالية في برلمان الولايات المتحدة في واشنطون إذ دعاه الأعضاء إلى وليمة في سنة 1852 تكريما له وإعزازا للمبدأ الذي قضى حياته في الدفاع عنه، قال:
أقف الآن أمامكم كما وقف قينياس الإغريقي أمام مجلس الشيوخ في رومية؛ ذلك المجلس الذي كان بكلمة واحدة حافلة بجلالة القوة يتحكم في أحوال العالم، ويقف عتاة الملوك عن السير في طريق أطماعهم. أقف الآن أمامكم وقلبي مفعم بالإعجاب والاحترام لكم أنتم المتشرعون في هذا البرلمان الذين تمثلون جلالة الأمة المتحدة. إن جدران مجلس الشيوخ الروماني لا تزال أطلالها قائمة ولكن روحها قد هجرها إليكم بعد أن تنسم نسيم الحرية، وتلك الأطلال التي لا تزال شاخصة تغشيها الكآبة هي رمز إلى فناء الجهود الإنسانية وزوالها بينما هذا المكان هو رمز للحقوق الأبدية. كان ذلك المجلس كاسيا بلون الفتوح والحروب أحمر قانيا وهو الآن في ليل حالك من ظلام الظالمين بينما مجلسكم يسطع بضوء الحرية اللامع، كان ذلك يحتجن العالم إلى مجده بينما مجلسكم هذا يحمي أمتكم ولا يرضى بأن يستحوذ على شيء من حقوق الأمة. كان لذاك روعة القوة التي لا تقاوم بينما أنتم تفخرون بتقييد هذه القوة. وكانت الأمم ترتعد وترتجف إذا رأت ذلك المجلس بينما الإنسانية تعقد الرجاء بكم عندما تنظر إلى مجلسكم. وكان لا يدخل ذلك المجلس من الغرباء إلا مهزوم أو منكوب قد شدت أيديه بالأغلال لكي يركع عند أقدام الظافرين وأما أنتم فيدخل الغريب المبتئس إليكم فتدعونه إلى أن يقعد بجانبكم حيث لا يدعى الملوك والقياصرة وليس لهذا الغريب من ميزة سوى أنه زعيم مضطهد لأمة مقهورة لا حول له ولا قوة. كان شعار ذلك المجلس القديم: «ويل للمغلوبين!» بينما شعاركم حماية المظلوم ولعنة الغاصب وعزاء المهزوم في قضية الحق. وبينما كان ذاك يقعد فيه رجال يفخرون بسيادتهم على العالم يقعد هنا رجال ينحصر مجدهم في الاعتراف بنواميس الطبيعة وبإله الطبيعة وفي إنفاذ إرادة الأمة التي هم خدامها.
وإن في تكريمكم إياي لتاريخا للأجيال المقبلة. أجل، إن الأجيال المقبلة ستقرأ تاريخ ذلك الرجل الذي كان أول حاكم لبلاد المجر المستقلة فأخرجته القوة الروسية الغاشمة طريدا من بلاده فعاش في المنفى في بلاد الأتراك يحميه سلطان مسلم من استكلاب الجائرين المسيحيين، ثم طوحت به دسائس السياسة إلى سجون آسيا ثم مدت إليه أميركا يده فخلصته، حتى إذا عبر المحيط الأطلانطيقي وهو يحمل آمال الأمم المظلومة ويقف أمام أهل هذه الجمهورية الكبرى فيذكر أمامهم ظلامات بلاده وارتباطها بمصير القارة الأوروبية ويصرح بجرأة من يدافع عن حق بوجوب رفع مبادئ الدين المسيحي إلى أن تكون قوانين دولية، لم ير أن جرأته قد قوبلت بالصفح فحسب بل يجد أيضا عزاء في عطف الملايين وتشجيع الأفراد والمدن والاجتماعات والولايات تسنده معونتهم العاملة وتحييه حكومتهم وبرلمانهم وتقعده مقعد الضيف المكرم وتسبغ عليه من المكارم ما لا يطمع فيه أمير قوي، ثم هذه الوليمة وهذا الشراب الذي نتساقاه. أجل، إن لفي هذا تاريخا للأجيال المقبلة.
صفحه نامشخص