قاعدة
بسم الله الرحمن الرحيم ، رب يس
اذا دار فعل النبي بين أن يكون جبليا ، وبين أن يكون شرعيا، فهل يحمل على الجبلي ؛ لأن الأصل عدم التشريع ، أو على الشرعي ؛ لأنه ه بعث لبيان الشرعيات م وفيه خلاف في صور : منها : أنه دخل من ثنية كدا ، وخرج من ثنية كدى .
فهل كان ذلك ؛ لأنه صادف طريقه، أو لأنه سنة؟ فيه وجهان : الصحيح أنه
ومنها : جلسة الاستراحة عندما حمل اللحم ، فقيل : ذلك جبلي فلا ستحب ، وقيل : شرعي، وهو الصحيح، وقيل : يستحب للمبدن.
وفي معناه العاجز الضعيف دون غيرهما .
.
ومنها : ذهابه في العيد في طريق، وإتيانه في آخر11) . وهذه تلتفت على قاعدة أخرى، وهي إذا فعل النبي فعلا لمعنى، ووجد ذلك المعنى في غيره، فلا خلاف
صفحه ۱۲
في أن حكم غيره كحكمه؛ أخذا من قاعدة التأسي .
وإن لم يوجد ذلك المعنى في غيره، فهل يكون حكم غيره كحكمه؛ نظرا إلي مطلق التأسي، أو لا يكون كذلك؛ نظرا إلى انتفاء المعنى: فيه خلاف في صور: منها: هذه الصورة ، فإذا قيل : إن ذلك شرعي. فقيل: كان ليستفتى في الطريق. وقيل : ليتصدق فيهما. وقيل: ليسوي بين القبيلتين. وقيل: لتشهد له البقعتان. وقيل: ليزور المقابر فيهما. وقيل: ليغيظ المنافقين . والأصح: أنه كان ي ذهب في البعدي، ويأتي في القربي؛ لأن الحسنات تكثر له في الذهاب دون الرجوع فمن وجد فيه معنى من هذه المعاني فلا خلاف في أن حكمه كحكمه عند القائل بذلك المعنى، وأما من لا يوجد فيه ذلك المعنى، فعند القائل خلاف . الأصح: أنه مستحب : ومنها: أن النبي ه كان يوفي دين من مات وعليه دين. واختلف فيه هل كان واجبا عليه، أو مستحباة .
وعلى كل قول : فذلك المعنى، وهو : أنه لاه أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فهل يجب على اللإمام أن يوفي دين من مات وعليه دين من المسلمين من مال المصالح؟ فيه وجهان.
ومنها : أنه لالله قال ليهود خيبر : "أقركم ما أقركم الله" . والمعنى فيه انتظار الوحي، وهو منتف في حق غيره فلو قال الإمام : أقركم ما شئت، فيه وجهان .
قال الرافعي: لم يصح على المذهب ، وتبعه في الروضة في كلام الإمام ما يقتضي الصحة ، والله أعلم
صفحه ۱۳
قاعدة
منشأ الخلاف في فروع بعد الاتفاق على أصلها؛ تارة يكون بعد تعين العلة وتارة يكون قبل تعينها.
القسم الأول: مثاله : الاتفاق على أن الماء المطلق متعين للطهورية الحاصلة بالماء، ووقع اختلاف في فروع كالمتغير بأوراق الشجر وبالتراب المطروح قصدا، فهذا الخلافا يعرض على وجوه.
أحدها : أن يكون الارتباط بالاسم، كما في هذا المثال؛ فإن اختصاص الطهورية بالماء إما تعبد لا يعقل معناه، وإما أن يعلل باختصاص الماء بنوع من اللطافة والرقة، والتفرد في التركيب الذي لا يشاركه فيه سائر المائعات . وعلى كل واحد من القولين : المناط الاسم.
أما إن كان تعبدا فواضح؛ وإن كان معقول المعنى فإطلاق الاسم دال على وجود هذه الصفات أو أكثرها . فإذا اختلف في تراب طرح، أو ملح، أو ورق - م ثلا - فذلك اختلاف في أن الاسم سلب أو لا ، فلو اتفق على زوال الاسم اتفق على زوال الطهورية، ولو اتفق على بقاء الاسم اتفق على بقاء الطهورية الوجه الثاني: أن يتعلق بالعرف، كالغرر المجتنب في البيع بالنص المرجوع فيه الى العرف ، فإذا اختلف في بيع الغائب إذا ذكر وصفه وصفته ، وأثبت خيار الرؤية آل الخلاف إلى أن مثل هذا هل ينفي الغرر عرفا، أو لا ؟
الوجه الثالث: أن يكون المرجع فيه إلى الجنس . كالماء الكثير المتغير إذا زال تغيره بالماء ، فهذا طهور ولا شك فيه ، وإن زال بالمسك فلا ؛ لان الرائحة مستترة برائحة
صفحه ۱۴
غيره ، وإن زال بالتراب : فالخلاف منشؤه أن التراب هل هو مزيل، أو ساتر؟ ، فلو اتفق على أنه مزيل لجعل كالماء. ولو اتفق على أنه ساتر، لجعل كالزعفران . وفي مثل هذا المكان إذا أمعن النظر حصل القطع ، أو الظن القريب من القطع. القفسم الثاني: ما يكون قبل تعين العلة، وهو على وجهين: أحدهما : أن يكون الأصل والغرع مشتركين في عموم معنى كلي كيفما فرضت العلة، كإلحاق الأمة بالعبد في عتق أحد الشريكين . أو أن يشتركا في وصف صفتين، كإلحاق سؤر الخنزير بسؤر الكلب، فهذا الإلحاق ؛ إن كان جليا لم يطل فيه النزاع ، وقطع به، وابتدره الفهم ، من غير تأمل، كالأمة مع العبد. وإن كان خفيا قامت بالنفس إشارات لا تحصلها العبارات.
الوجه الثاني : أن يقع النزاع في تعبين العلة، أو في تعيين ضبط أوصافها،اا كوقوع الاختلاف في علة سلب الماء المستعمل الطهورية . هل هي أداء العبادة حتى يشركه المستعمل في تجديد الوضوء وغيره من الطهارات المسنونة، أو انتقال المنع إليه، فلا يشركه ذلك؟ وفي مثل هذا يطول النظر، ويعظم الخطر. والله أعلم.
صفحه ۱۵
قاعدة
قد اشتهر من قواعد أصول الفقه أن الأحكام إنما هي من جهة الشرع، وليس منها شيء عقلي وأطلق الشافعي أن النجش حرام ، وقيد حرمة البيع على بيع أخيه بمعرفة الخبر ، فقال بعض الأصحاب : لأن النجش خداع وحرمته معروفة بالعقل، بخلاف البيع على البيع. وهذا غير صحيح؛ لما تقرر في الأصول، ثم البيع على البيع إضرار بالغير، وهو بالنسبة إلى التحريم العقلي كالخداع والتغرير .
وقد اختلف المذهب في أحكام التغرير: وضابطه: أن التغرير تارة يكون قوليا وتارة يكون فعليا. وترتب آثاره بحسب قوته وضعفه. وبيانه بصور: منها : تلقي الركبان مثبت للخيار قطعا ؛ للخبر. وهو ثابت حسيث يتلقاهم، ويشتري بأرخص من سعر البلد، سواء أخبر بأنقص من سعر البلد، أو لم يخبر، فإن اشترى بمثل سعره أو أكثر ، فوجهان: الأصح : لا يثبت ، للحكمة.
ووجه الآخر : الخبر، وهو الوصف .
ولو تلقى، وباع منهم، فوجهان:
صفحه ۱۶
أحدهما : يلتحق بالمتلقي ، نظرا إلى الحكمة .
والثاني : لا يلتحق.
ومنها : النجش إذا كان على مواطأة من البائع، ففي ثبوت الخيار وجهان، قال الرافعي: أشبههما عند الأئمة، وبه قال ابن أبي هريرة: إنه لا خيار ، والثاني : يثبت، وهو اختيار أبي إسحاق .
ومنها : إذا قلنا : إن كفارة الجماع تلاقي الزوجة، ويتحمل الزوج عنها؛ فلو قدم المسافر مفطرا، فأخبرته أنها مفطرة وكانت صائمة، قال العراقيون : تجب عليها الكفارة؛ لأنها غرته، وهو معذور. وقال الرافعي: يشبه أن يكون هذا جوابا على قولنا: إن المجنون لا يتحمل، وإلا فليس العذر هاهنا أوضح من العذر في المجنون.
وما ذكره الرافعي فيه نظر؛ من جهة أن المرأة هنا منسوبة إلي التغرير فهي ورطته في الفعل ، بخلاف مسألة المجنون ، حيث قلنا : - يتحمل عنها على الأضعف. ولو فرض أنها مكنت المجنون من نفسها ، فهو نظير التغرير من وجه .
ومنها : التصرية ، وهي مثبتة للخيار قطعا في النعم ، وفي الحيوان المأكول غيرها وجه : أنها لا تثبت الخيار فيه .
وفي الأتان والجارية وجهان ، والأصح : ثبوتها فيهما .
ثم هذا الخيار مستنده التغرير أو الغرور ، وجهان ، رجح الغزالي الأول والبغوي الثاني . وعليه ينبني ما لو تحفلت الناقة نفسها، أو ترك المالك الحلاب ناسيا أو لشغل عرض.
صفحه ۱۷
ومنها : لو حبس ماء القناة، أو الرحى، ثم أرسله عند البيع، أو الإجارة، شبت الخخيار .
ومنها : لو جعد الشعرر1) ، أو حمر الوجه .
ومنها : لو غرغاصب الطعام من أكله، بأن قدمه إلى ضيف فأكله الضيف جاهلا، فالصحيح الجديد : أن القرار على الاكل ؛ لأنه المتلف . فإذا غرم لم يرجع على الغاصب. فلو قال له : هذا ملكى فأكله الضيف، ثم غرم المغصوب منه الغاصب؛ قال المزنييرجع الغاصب على المغرور) . وغلطه الأصحاب؛ لأن قوله : هذا ملكي، اعتراف بأنه مظلوم بما غرم، والمظلوم لا يرجع على غير الظالم.
ولو قدمه إلى مالكه ، فالقولان .
وهاهنا نص العراقيون : ألا يبرأ الغاصب ومقتضى الصحيح: أنه يبرأ .
ورأي الإمام : أن القول هنا بالبراءة أولى ؟ لأن تصرف المالك في ضمن إتلافه يتضمن قطع علقة الضمان عن الغاصب.
ومنها : لو قال الغاصب لمالك المغصوب : أعتقمه فاعتق جاهلا نفذ العتق على الأصح، وعلى هذا يبرأ الغاصب على الأصح.
ولو قال : اعتقه عني، فأعتقه جاهلا، فغي نفوذ العتق وجهان، فإن نغذ ففي وقوعه عن الغاصب وجهان، صحح في التتمة المنع .
ولو قال المالك للغاصب: أعتقه عني، أو مطلقا ، فأعتقه ، عتق ، وبرى خاصب.
قلت : ينبغي تعخريج صحة العتق على صحة بيع مال أبيه على ظن أنه حي، فإذا هو ميت . ولا يمكن ترجيح هذا بتشوف الشارع إلى العتق؛ لأنا لا نعلم إلا أن الخلاف جار في عتق عبد أبيه، والحالة هذه .
ومنها : إذا غر بإسلامه منكوحة بالشرط ، أو شرط نسب، أو حرية في أحل الوجهين، فالصحيح : صحة النكاح .
صفحه ۱۸
والخلاف جار في كل وصف شرط سواء كان صفة كمال، كالجمال، أو نقص، كضده، أو لم يكن بنقص ولا كمال.
و في شرح مختصر الجويني : أن الخلاف في اشتراط ما يؤثر في الكفاءة .
فائدة ذكروا في كتاب الرهن : أن فاسد كل عقد كصحيحه في الضمان، وعدمه .
وفي أواخر كتاب الهبة من الروضة: أن المقبوض في الهبة الفاسدة مضمون كالبيع الفاسد، أم لا، كالهبة الصحيحة، وجهان ويقال: قولان.
قال النووي: " قلت : أصحهما : لا ضمان ، وهو المقطوع به في النهاية والعدة والبحر ولبيان ، ذكروه في باب التيمم" .
فائدة: النبي إذا أمر بأمر، أو نهى عن شيء ، فلا يخلو : إما أن يكون بلفظ مخاطبة للمخاطبين أولا؛ فإن كان كقوله : "إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم" .
وكقوله : "لا تستقبلوا القبلة ببول، ولا غائط" .
وكنهيه عن تسمية شجر العنب بالكرم ، فلا يدخل (عليه الصلاة والسلام) في هذا الخطاب ؛ لأن الصيغة تختص بالمخاطب.
صفحه ۱۹
ونقل بعض المتآخرين : أن بعضهم جعله (عليه الصلاة والسلام) داخلا فيه وهذا في غاية الشذوذ ، وهو قريب من قول الحنابلة : إن الخطاب مع الموجودين يتناول من يحدث بعدهم ، بغير دليل منفصل، مجرد الخطاب الأول.
وأما إذا كان بغير لفظ الخطاب؛ فالصحيح دخوله فيه كما روي عنه ل أنه قال: "العينان وكاء السه، فمن نام فليتوضا" ، وكذا : "من أحيا أرضا ميتة فهي له" وشذ بعضهم فقال: إنه لا يدخل فيه .
وللخلاف في دخول المخاطب في الخطاب نظائر فقهية: منها : ما حكي: أن واعظا طلب من جماعة شيئا، فلم يعطوه فقال: طلقتكم ثلاثا ، وكانت زوجته فيهم ، فالصحيح : أنها لا تطلق .
قلت : هكذا حكى الشيخ تخريجه عن الرافعي وغيره ، وليس بشيء؛ فإنه ليس داخلا في المطلقين - بفتح اللام - وإنما هو فاعل التطليق، بل لهذا التفات إلى بحث أصولي، وهو أن خطاب الذكور لا يتناول الإناث على المذهب الصحيح؛ لأن الجمع ضعيف الواحد.
ومنها : لو قال : نساء العالم طوالق، ففي دخولها في الطلاق خلاف .
صفحه ۲۰
قاعدة
فرض الكفاية لا يباين فرض العين بالجنس، خلاقا للمعتزلة؛ وإنما يباينه بالنوع.
وقال إمام الحرمين : "فرض الكفاية أفضل من فرض العين؛ لما فيه من نفي الحرج عن الغير" .
وسبقه إلى ذلك والده الشيخ أبو محمد في المحيط .
ونحو هذا، أن فرض الجمعة يسقط عن القريب الممرض الذي يتفقد غيره، إذا كان يندفع بحضوره ضرر يعد دفعه من فروض الكفايات.
وقال الإمام ذلك في الغيائي أيضا، وبسطه .
وقد آثرت مباينته بالنوع؛ ترددا في إلحاقه بفرض العين أو بالنفل من جهة وجوبه، والعصيان بتركه، ومن جهة جواز تركه عند فعل الغير في صور: منها : أنه يجمع بين الفرض والنفل بتيمم واحد، ولا يجمع بين فرضي عين.
وهل يجمع بين فريضة وصلاة جنازة ، أو بين صلاتي جنازة؟ فيه خلاف: نص الشافعي -رضي الله عنه- على أنه يجمع، ونص على أنه لا يقعد في صلاة الجنازة مع القدرة؛ فقيل: قولان بالنقل، وقيل: بتقرير النصين؛ والفرق: أن القيام أعظم أركانها، والقعود يغير صورتها .
صفحه ۲۱
ومنها: هل يقعد في صلاة الجنازة، وفيه ما ذكرناه. ومن قال: لا يقعد، وقرر النصين رأى أن حكمها حكم النافلة، لكن لظهور صورتها بالقيام، وخفائها بالقعود .
ورأى الإمام : أن ذلك إنما هو لأن الرخص لا تقرر فيما يندر ، يبين ذلك: أن الشافعي نص على أنه لا يصليها على الراحلة .
ومنها: لزوم فرض العين بالشروع، دون النفل في غير النسكين، وفي فرض الكفاية خلاف.
قال في الروضة: "هل يجب إتمام صلاة الجنازة بالشروع فيها، أم لا؟ فيه وجهان: قال الجمهور: نعم وهو الأصح، وقال القفال: لا يجب.
وقال الغزالي : الأصح أن العلم، وسائر فروض الكفاية لا يتعين بالشروع .
ومنها: الانصراف من الحرب حيث بلغه رجوع من يتوقف غزوه على إذنه لا يرجع في غزو معين.
وفيما لم يتعين خلاف: قيل: يجب الرجوع. وقيل : يحرم. وقيل: يتخير .
ومنها: من ترك فرض عين أجبر، ومن ترك نفلا لم يجبر و في فرض الكفاية خلاف جار في القاضي ، وكفالة اللقيط وغيرهما ، الا الصحيح : أنه يجبرره) .
ومنها: تعيين أحد من عليه الحق وهو غير متعين بتعيين من له التعيين؛ فيه خلاف في القاضي، والمفتي والشاهد، والولي غير المجبر.
والأصح في القاضي : أنه لا يجبر.
قلت: والأصح في الشاهد والولي أن يتعين عليه بتعيين صاحب الحق، وكذا
صفحه ۲۲
قالوا في المرأة الزانية، إنها تغرب مع زوج أو محرم، فإن امتنع ، هل يجبر؟ا فيه خلاف، الأصح: المنع، فإن قلنا: يجبر، فلو اجتمع محرمان، أو زوج ومحرم، قال الرافعي: لم يتعرضوا له . وقال النووي: تحتمل وجهين كنظائره: أحدهما : الإقراع.
والثاني: يقدم باجتهاده من يراه. قال : وهذا أرجح .
فائدة فيما يقال: إنه سنة على الكفاية، وذلك في صور: منها: الابتداء بالسلام، فلو لقي جماعة جماعة، أو واحدا فسلم واحد منهم كفى لأداء السنة.
ومنها: تشميت العاطس ، وهو سنة على الكفاية ، كما في ابتداء السلام.
ومنها: التسمية على الأكل، فلو سمى واحد من الجماعة أجزأ عن الباقين وذكر النووي في باب الوليمة من الروضة: "أن الشافعي نص على ذلك" .
ومنها : الأذان، والإقامة.
ومنها: ما يفعل بالميت مما ندب إليه.
ومنها: الشاة الواحدة لا تجزئ في الأضحية إلا عن واحد؛ لكن إذا ضحى بها واحد من أهل البيت آدى الشعار ، والسنة بها لجميعهم. وعلى ذلك حمل ما روي أه -عليه الصلاة والسلام- أتى بكبش أقرن، فأضجعه، وقال: "بسم الله، اللهم تقبل من محمد وأل محمد"، ثم ضحى به : قلت : زعم الشاشي صاحب حلية العلماء: أنه ليس لنا سنة على الكفاية، غير الابتداء بالسلام، وما تقدم من الصور المذكورة تبطل دعوى الحصر، والله أعلم .
صفحه ۲۳
فائدة.
أقل الجمع ثلاثة على المشهور ، وقيل: اثنان ، فلو قال له : على دراهم يلزمه ثلاثة ، وقيل: درهمان.
ومنها: قيل : يكتفي في الصلاة على الميت باثنين.
حكاه الرافعي عن التهذيب، وقال: "إنه بناء على أن أقل الجمع اثنان" .
فائدة: الخلاف الأصولي في أن النسخ رفع، أو بيان ، نظيره الخلاف في أن الطهارة بعد الحدث، هل نقول : بطلت ، أو انتهت والأول: قول ابن القاص . والثاني: قول الجمهور.
فعلى الأول: يقال : لا عبادة تبطل بعد عملها إلا الطهارة بالحدث فائدة.
النهي إذا كان لأمر خارج، فإنه لا يدل على الفساد، وإذا كان لأمر في ذات المنهي عنه ، دل على الفساد .
فالأول كالبيع في وقت النداء، والثاني كالنهي عن بيع الملاقيح، والمضامين .ا و أما إذا كان النهي لأمر يرجع إلى التسليم، فهل يدل على الفسادة فيه خلاف في صور: منها: النهي عن التفرقة بين الوالدة، وولدها؛ فإنه لا يرجع إلى البيع، ولكن التسليم تفريق محرم، فهو متعذر شرعا، فهل يصح البيع؟ قولان: أصحهما: المنع .
صفحه ۲۴
ومنها: بيع السلاح من الكفار، فإنه لا خلل في البيع، ولكن المتعذر التسليم لا حذرا من قتالنا ، وفيه خلاف. والأصح: البطلان .
والوجه الثاني: حكاه الغزالي، ونظره بما قبلها.
ومنها: حيث منع الحاكم من قبول الهدية ، فالعقد لا خلل فيه ، ولكن تسليم المال إليه ممنوع منه شرعا، فهل يصح ، ويملك فيه وجهان: والأصح : المنع .
ومنها: هبة المحتاج إلى الماء في وضوئه ماءه من هو محتاج.
و فيه وجهان، والأصح: المنع .
فصل
ما عجز عن تسليمه شرعا، لا لحق الغير، فهل يبطل لتعذر التسليم ، أو يصح؛ نظرا إلى كون النهي خارجا عنه فيه خلاف في صور: منها : المسائل المتقدمة.
ومنها. بيع ما تنقص قيمته بقطعه غير مشاع بل معين ، وفيه وجهان: الأصح عند الاكثرين : البطلان.
ومنها: بيع نصف الثمار على الشجر مشاعا قبل بدو الصلاح، لا يصح.
و عللوا بافتقاره إلى شرط القطع، ولا يمكن إلا بقطع الكل، فيتضرر البائع بتنقيص عين المبيع، فأشبه بيع نصف معين من سيف :
فصل
ما شذ عن الحكمة بحيث بقي الوصف فيه، لضرب من التعبد، فيه صور منها: لو كمل وضوءه إلى إحدى الرجلين ، ثم غسلها وأدخلها الخف، فإنه ينتزع الأولى، ثم يلبسها.
صفحه ۲۵
ومنها: لو اصطاد صيدا وهو محرم ، ولا امتناع لذلك الصيد، فإنه يرسله، ثم يأخذه إذا شاء.
ومنها: إذا كال المشتري الطعام ، ثم باعه في الصاع.
ومنها: حرمة السرف في الماء، وهو على حافة البحر، كذا قال الشيخ: إنه حرام، وليس هو كذلك، بل هو مكروه.
ومنها : لو قبض المسلم إليه من المسلم رأس المال ورده إليه قبل التفرق بدين كان له عليه، قال أبو العباس الروياني: لا يصح؛ لعدم إبرام الملك، فإذا تفرقا، فعن بعض الأصحاب: أنه يصح ؛ لأن الملك أبرم ثم يرده حينئذ ويقبضه الآن من الدين ومنها: إذا تيقن عدم الماء حواليه، لا يلزمه الطلب.
وقيل : يلزمه .
قلت: ويشبهه الرمل بعد أن كان في الأصل لقول المشركين : "إنه يقدم عليكم قوم وهنتهم حمى يثرب" ، واستحباب إمرار الموسى على رأس الأقرع .
وأما إذا زوج عبده بأمته ، فإنه لا يجب الصداق؛ لأن السيد لا يجب له على عبده شيء، بدليل ما لو جنى عليه، وهل نقول: وجب، وسقط، أو ما وجب أصلةة فيه وجهان كالوجهين في قتل الوالد ولده .
وهل تستحب تسمية الصداق؟ نص الشافعي في القديم على استحبابه؛ لأن ذكره في العقد من سنته.
و قال في الجديد: إن شاء ذكره، وإن شاء تركه، إذ لا فائدة فيه، وهذا أصح عند ابن الصباغ .
صفحه ۲۶
قلت: ومن ذلك كثير من مسائل الاستبراء؛ إذ أصل مشروعيته إنما هو إبراء الرحم، ثم عدي في مسائل مع القطع ببراءة الرحم.
ومن ذلك أنواع الزكاة، إذ شرعها الله تعالى لسد خلة الفقير، ثم لا يجوز فيها أخراج القيمة في غالب مسائلها، ولو كانت أمثال الواجب.
ومن ذلك مسائل في الربا، إذ أصل مشروعية تحريمه النهي عن أكل المال بالباطل، ولو باع درهما بدرهم، لم يجز، ولو باع درهما بألف دينار جاز إذا لم يكن م نسيئة، إلى غير ذلك .
فائدة تنزيل اللفظ على المعنى الشرعي قبل العرفي في صور: منها: لو حلف لا يبيع الخمر، فإن أراد أنه لا يتلفظه بلفظ العقد مضافا إلى خمر، فإذا باعه حنث . وإن أطلق لم يحنث ؛ لأن البيع الشرعي لا يتصور فيها .
وفيه وجه وهو مذهب المزني -رحمه الله- : أنه يحنث .
ومنها:لو حلف لا يركب دابة العبد، وكانت له دابة باسمه، لم يحنث الحالف بركوبها ، تنزيلا للإضافة على التمليك ، كما في الإقرار .
وعند أبي حنيفة يحنث بالاضافة العرفية.
فصل
الماهيات الجعلية ، كالصلاة وغيرها من العقود، ليست الصحة والفساد ما يعتورانها، وهي باقية، بل حيث وجدت الماهية ، فهو المعني بالصحة، وحيث انتفت فهو المعني بالفساد.
وذهب ذاهبون إلى أنها موضوعة للأعم من الصحيح والفاسد؛ حتى بنى هذا القائل عليه : أنه لو نكح العبد بإذن سيده نكاحا فاسداا، هل له أن ينكح به نكاحا صحيحا بعده، آم لا قلت: والأصح: نعم؛ لأن الإذن ينزل على الصحيح
صفحه ۲۷
ولما حكى الأئمة الخلاف فيما لو اختلفا في أن صور النكاح صدرت على وجه فاسد، وادعى الآخر أنها جرت على وجه الصحة، بناه الإمام على أن النكاح المعترف به مطلقا هل يحمل على الصحيح، أم يتناول الصحيح، والفاسد والذي اختاره شيخي -رحمه الله - : الأول، واستشهد له بما قاله الشافعي : أن ه لو حلف لا يبيع بيعا صحيحا، أو فاسدا، فباع بيعا صحيحا، أو فاسدا، لم يحنث.
أما البيع الصحيح فواضح؛ لأنه غير محلوف عليه.
و أما البيع الفاسد؛ فإن الفساد لا يجامع البيع ، إذ البيع لا يكون غير صحيح الا وكذلك نص على أنه لو حلف لا يبيع الخمر لم يحنث فيما يقع في بيعها عادة.
قلت: وفي الاستشهاد نظر. واللاثق في باب الأيمان الحنث، وإليه ذهب المزني، والله أعلم.
فعلى هذا حرف النفي إذا دخل على الماهية الجعلية كقوله : "لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد"، و"لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب" .
يكون لنفي الماهية، ولا حاجة إلى نفي الكمال، ولا إلى نفي الصحة قلت: الذي يظهر لي في هذه القاعدة أن يقال: إن هذه الماهيات تعتورها الصحة والفساد وهي باقية حقيقة عرفية.
وأما كونها حقيقة شرعية فلا مع أن الأصحاب، قالوا: فيما لو حلف لا يبيع فباع بيعا فاسدا، أنه لا يحنث وبه قال أحمد ، وتنزل ألفاظ العقود على الصحة.
وخالف أبو حنيفة ومالك، وحكما بالحنث.
ولما ذكر الغزالي عدم الحنث، قال: "والفاسد ليس بعقد" .
هذا في المعاملات.
أما العبادات فهي على قسمين:
صفحه ۲۸
أحدهما : الحج ، فإذا حلف عليه حنث بالفاسد قطعا، فإنه منعقد يجب المضي فيه كالصحيح.
والثاني:ما عداه كما لو حلف: لا يصوم، أو لا يصلي فصام، أو صلى فاسدا، واقترن الفساد بأول الفعل لم يحنث كالعقود، فإن طرأ الفساد هل يحنث؟ .
فيه وجهان: أصحهما: نعم، والثاني: لا يحنث حتى يركم، وهو منقول عن ابن سريج.
وقد ذكر الإمام المسألة في كتاب الخلع أيضا في فصل لو قال : إن أعطيتني هذا فأنت طالق، واستطرد الكلام إلى أن قال : "إذا عقد الرجل نيته على البيع المطلق لم يحنث بالبيع الفاسد" .
هذا ظاهر المذهب ، وللشافعي نص في النكاح دال على أن الفاسد يدخل تحت الاسم المطلق، وذكر مسألة : "ما لو أذن لعبده في النكاح فنكح فاسدا" ، ثم ضعفه قال: أما جانب الامتناع كقوله : لا أبيع الخمر فباعها، فالجمهور، وظاهر النص على عدم الحنث أيضا، إلا أن ينوي التلفظ ببيعها ، والله أعلم.
ت نبيه : هل العقود موضوعة للصحيح فقط، أو للأعم من الصحيح والفاسد؟ فيه قولان ، والأصح: أنه لا يتناول إلا الصحيح فقط، وعليه يتخرج ما تقدم .
صفحه ۲۹
قاعدة الأيمان()
قال الشخ عز الدين بن عبد السلام: "إن قاعدتها البناء على العرف إذا لم يضطرب ، فإن اضطرب فالرجوع إلى اللغة" .
وأما الرافعي فحكى : "أن التحقيق أن الحال مختلف باختلاف العرف اضطراباا واطرادا . وبكيفية دلالة اللفظ على المعنى قوة، وضعفا، فقد يقوى العرف ويرجح فيقتضي هجران الوضع (يعني اللغة)، وقد يضطرب ويختلف، فيؤخذ بمقتضى الوضع، وعلى الناظر التأمل، والاجتهاد فيما يستعمله" .
وقال الغزالي في الوسيط: "إذا اختلفا فميل الأصحاب إلى اللفظ ، وميل الإمام إلى اتباع العرف" .
وفيها صور.
منها : إذا قال : إن لم تعرفيني عدد الجوز الذي في البيت فأنت طالق ، فقدا قال الأصحاب فيما لو قال: إن لم تذكري عدد الجوز: أن طريقها أن تذكر كل عدد يحتمل أن يكون ، فلا تزال تجري على لسانها الواحد بعد الآخر.
وفي مسألتنا: قد قيل: يكتفي بذلك.
وقال الغزالي: لا يكفي، واستبعد الأول.
وحكى الرافعي المستبعد عن الأصحاب، واختيار الغزالي والإمام.
ومنها: إذا قال: "إن لم تميزي نوى ما أكلت عن نوى ما أكلتيه فأنت طالق" .
قال الأصحاب : طريق الخلاص أن تفرقها بحيث لا يلتقي منها اثنتان . نعم
صفحه ۳۰
لو أراد التميز الذي يحصل به التعيين لا يبرأ من الحنث .
قال الإمام : "هذا اللفظ عند الإطلاق يتبادر إلى الفهم منه التعيين، وكان ينبغي أن يحمل اللفظ عليه ، فإن أراد مقتضى وضع اللغة ، فيبقى تردد في أنه هل يراد ظاهر الإطلاق؟ والأشبه أنه مراد" .
قلت: قال الشيخ أبو زيد : "لا أدري على ما بنى الشافعي مسائل الأيمان ؛ ل ان اتبع اللغة فمن حلف لا يأكل الرؤوس ، فينبغي أن يحنث برؤوس الطير ، والسمك ، وإن اتبع العرف: فأهل القرى لا يعدون الخيام بيوتا وقد قال الشافعي : لا فرق بين القروي والبدوي"11 .
قال الرافعي في معرض الجواب عن هذا: "إن الشافعي يتبع مقتضى اللغة تارة وذلك عند ظهورها وشمولها وهو الأصل. وتارة يتبع العرف إذا استمر واطرد" .
وهذا الذي قال فيه نظر .
قوله : "عند ظهورها وشمولها" : إن أراد بظهورها الظهور في العرف، فيكون التقدير أنه إذا اتفق الاصطلاح العرفي واللغوي فيعمل به، فما عدا هذا ، فهو موضع الاشكال الذي ذكره أبو زيد - رحمه الله - .
صفحه ۳۱