ظل الإغريق، لعدة عصور، يعتقدون أن الأرض مسطحة، وأن بلادهم تقع في وسطها تماما، وأن البحر الأبيض المتوسط (البحر الأوسط كما يدل اسمه) يمر بمركز قرص الأرض، وأن نهر أوقيانوس يجري حول الحافات. وفي أقصى الشمال يقيم سكان الشمال، في أرض الربيع الدائم إلى مسافة بعيدة وراء الجبال التي تهب على منحدراتها وتجاويفها رياح الشتاء الشمالية. ونحو الجنوب يقيم الأثيوبيون الذين أحبهم الآلهة كثيرا، ولا سيما بنتيون. ونحو الغرب تقع الجزر الإليوسية، وهي نوع من الفردوس.
ويسير فراقدا السماء من مجرى المحيط، ثم يعودان إليه ثانية. ففي كل يوم تسير الشمس ثم القمر في عربتيهما خلال السماء. وكذلك تفعل النجوم ومن الغرب، حيث تغرب الشمس ينقل إله الشمس في قارب مجنح؛ ليعود به إلى نقطة بدايته.
آلهة الأرض
ربة الأرض ومحاصيلها وثمارها هي كيريس (ديميتير الإغريقية)، شقيقة جوبيتر. وتضم عبادتها تقديس بذرة الحياة في كل مظاهرها، كانت حامية الفلاحين، وقد صوروها تضع إكليلا من سنابل القمح أو شريطا بسيطا حول رأسها، وتمسك في يدها صولجانا أو ثمرة خشخاش، وأحيانا أخرى قرن الإخصاب تتناثر منه الحبوب والثمار. وكانت ابنتها بروسربينا ربة وقت الربيع.
ومن أشهر الآلهة الآخرين المرتبطين بالأرض بنوع خاص: باخوص (ديونيسوس الإغريقي) وبان.
أما باخوص، فهو ابن جوبيتر وسيميلي. وقد عهد جوبيتر بتعليمه إلى سيلينوس العجوز السكير المرح ذي الأنف الأفطس وأقدام العنزة. صار باخوص إله الخمر خاصة، وإله الإخصاب ووفرة الزروع عموما. واتصف بالمرح والعربدة في عبادته. ويحتفل بأشهر أعياده في شهر مارس من كل عام عندما تكون الخمر معدة للشرب. وإذ جرت العادة في بلاد الإغريق أن تقدم العروض التمثيلية في مثل هذه الأوقات، أصبح باخوص إله الدراما والمسرح، كما أطلق عليه الرومان اسم ليبر.
يصور باخوص عادة في عربة تجرها الفهود، ويتوج رأسه إكليل من أغصان الكروم واللبلاب، ويمسك في يده عصا خاصة تسمى ثورسوس، وهي عصا مكسوة بأغصان اللبلاب المجدولة، وتنتهي من أعلى بكوز صنوبر، وكرست له الكروم واللبلاب والفهد. وله فئة خاصة من الأتباع، ويطلق على تابعاته من النساء اسم المانيادبس، ويصورن متحمسات في العربدة، يلقين أيديهن إلى الخلف، وشعرهن أشعث غير مصفف، وفي أيديهن عصا باخوص.
وأما بان، ومعنى اسمه «الجميع»، فكثيرا ما سحر ذوي الخيال حتى عصرنا هذا، وهو ابن ميركوري وإحدى حوريات الغابات. ولما كان إله قطعان الأغنام والرعاة والطبيعة، وصف بالتجوال بين جبال أركاديا وأوديتها، إما ليتسلى بالصيد، أو ليرأس فرق رقص الحوريات. وينسب إليه اختراع مزمار الراعي، ويصور عادة كرجل ملتح ذي أنف معقوف وأذني وحوافر عنزة، يكسو جسمه الشعر، ويمسك في يده مزمار الرعاة أو خطاف الراعي. ولما كان بان إله المناظر المقفرة، وخصوصا في المناطق الجبلية، فقد ارتبط بالخوف المفاجئ لغير ما سبب، الذي ينتاب المسافرين. وقد جاء هذا الخوف أولا في عالم الخلاء، ثم جاء بعد ذلك وسط المعارك، وينسب إلى بان، ويطلق عليه اسم «بانيك»، أو خوف باني (ذعر)، ولأتباعه الساتور آذان تشبه آذان الماعز، وأذناب قصيرة وقرون متبرعمة قصيرة، وكان سيلينوس رئيس الساتور.
والحوريات من صغار آلهة الطبيعة، وكان هناك منهن أعداد كبيرة، أهمهن خمس مجموعات: الدرياد والهامادرياد، وتعيش كل منهن في شجرة، وكان المفروض أن تموت الحورية من هؤلاء بموت شجرتها. والأوقيانيد والنيرييد اللواتي يعشن في مياه المحيط، والناياد المشرفات على المياه العذبة في الينابيع والأنهار والنهيرات والبحيرات وغيرها، والأورياد وهن حوريات الجبال والكهوف.
آلهة الفجر والظلام والهواء
صفحه نامشخص